"الإسرائيليون": وضعنا أفضل مما تتخيلون

هناك حالة استرخاء حدّ النشوة، في الأوساط الإسرائيلية، مما يعتبرونه أوضاعا سياسية دولية وداخلية مريحة، وظروفا أمنية مثالية. وفي تحليل لصحيفة "جيروزالم بوست"، جاء أنّ الوضع أفضل حتى مما يقوله السياسيون الإسرائيليون، وأنّ المرحلة مواتية لفصم الهوية الفلسطينية. فهل هذا وهم إسرائيلي؟  اضافة اعلان
جاء تحليل الصحيفة سالف الذكر تحت عنوان "هل تعيش حماس صراعا داخليا أم هي قلقة من الحرب مع إسرائيل؟". وبدأ المقال باستعراض لمجمل الوضع الإقليمي، من انشغال وتورط تركيا في الحرب في سورية، بينما السياسيون الإسرائيليون "يغزون" المنتجعات السياحية اليونانية في تعبير عن الثقة بالأوضاع، وكيف أن هذه الأوضاع هذا الصيف جديدة لدرجة "لا تصدق". وأيضا كيف تتوسط روسيا بين تركيا وإيران، وكيف أنّ وزير الخارجية المصري يخبر طلبة المدارس أنّه لا يمكن اتهام إسرائيل بالإرهاب، وكيف يسعون على الشواطئ الأوروبية لجعل النساء المسلمات "يخلعن ملابسهن"، وكيف أنّ الولايات المتحدة قد تصل حد انتخاب دونالد ترامب رئيساً. وكيف أنّ الأكراد وهم أكثر من قاتل "داعش" بكفاءة، يتعرضون لهجوم تركي الآن، بمباركة روسية وأميركية. وكيف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قلق من الأوضاع الداخلية بعد الانقلاب، فحاول التهدئة مع سورية، وروسيا، وإسرائيل.
وتحتفل الصحيفة بمدى هدوء هذا الصيف الذي يكاد ينتهي، حتى إنّ الإسرائيليين على حدود قطاع غزة، لم يمسهم أي خدش منذ عامين، ما ساعد على الازدهار وزاد عدد السكان هناك. وتهتم الصحيفة بأمرين هنا: الأول، تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، لقيادة "حماس"، ووعده أن يقتل القيادي في الحركة اسماعيل هنية، إذا استلم هذه الوزارة، وقد استلمها، وتطلبُ من ليبرمان ألا يفعل شيئا. والثاني، رفضها لمقولة أنّ هناك خلافا داخليا في حركة "حماس" يوضح حالة الهدوء الحالي؛ وتحديدا خلاف بين تيار عسكري يقوده يحيى السنوار، وجناح سياسي. وتقول إنّ الهدوء قرار يحظى بإجماع في "حماس".
تطلب الصحيفة من ليبرمان التخفيف من تصريحاته وادعاءاته، وتقول مثلا، إنّ تبادل الصواريخ والقصف بين غزة والإسرائيليين في الأيام الماضية، أقل درامية مما يبدو؛ إذ تم القصف بخمسين قنبلة إسرائيلية في غزة، لكن لم يُصب أحد، في إشارة إلى تعمّد عدم إيقاع إصابات، ردا على صواريخ أُطلقت من غزة، من قوى غير "حماس"، وعلّق عليها القيادي في "حماس" محمود الزهار، كما تقول الصحيفة، بالقول إنّ حركته ملزمة بالحفاظ على الهدنة مع إسرائيل، وإنّ الإسرائيليين تجنبوا إيقاع إصابات حتى لا تتجدد المواجهات.
برأي الصحيفة، تبدو الحقيقة في أنّ "حماس" منشغلة بتصميم دولتها التي أوجدتها في غزة، وأنّها وإن واصلت حفر الأنفاق والاستعداد للمواجهة التالية، فإنّها لن تسعى لهذه المواجهة بنفسها. وتطالب الصحيفة الإسرائيليين بالتوقف عن الحديث عن نزع سلاح غزة، لأن هذا غير واقعي، وأن ما يحفظ الهدنة هو وجود مصلحة فيها. ولذلك تقول الصحيفة إنّ "تقسيم (الهوية) الوطنية الفلسطينية" ممكن الآن، وإنّ احتلال العام 1967، هو الذي أوجد رابطا بين الضفة والقطاع، بينما هناك تباين تام، وثقافتان مختلفتان. فتدعو الصحيفة للحفاظ على الأمر الواقع.
هذا التحليل الإسرائيلي، في جزء منه تبجح من المستوى السياسي الإسرائيلي بنجاحاته، وبأنّه مرّ من كل المطبات بسلامة؛ إذ أوقف أي خطر آتٍ من غزة، ولا توجد ضغوط دولية، والفلسطينيون منقسمون مشغولون، ولم يؤد أي تحدٍ للإدارة الأميركية، وللرئيس باراك أوباما، لأيّ أضرار، ولا توجد مفاوضات مع الفلسطينيين. وبالمقابل، لا يفعل الفلسطينيون شيئا. وهذه إنجازات حقيقية، إلى حدّ كبير، لكن من دون أن يعني هذا أنّ الوضع بهذه "الوردية". فالهبّة الفلسطينية العام الماضي، على سبيل المثال، كانت مؤشرا أنّ الأمر ليس بهذا الهدوء، وليس بالضرورة دائما. والشعب الفلسطيني، بما في ذلك داخل الأراضي المحتلة العام 1948، لم يستسلم، والمقاطعة ضد الإسرائيليين تحقق نجاحات عالمية.
لعل الحديث عن تدمير الهوية الفلسطينية، كهدف يجدر أن يكون هو أولوية الإسرائيليين المقبلة، جديرٌ بأن يعطي مؤشرا على بعض سبل الرد على الإسرائيليين؛ بالوحدة الفلسطينية، وتأكيد الهوية الوطنية بسبل مختلفة. وهذه إحدى الأولويات التي يجدر العمل عليها لحين إصلاح أطر العمل الفلسطيني المؤسسية والرسمية، ولحين توحيدها.