الإسلاميون

سألني سفير إحدى الدول الغربية: هل تخشى وصول الإسلاميين بقوة إلى البرلمان القادم؟ جاء سؤاله على خلفية أنني علماني وعلى يسار الخريطة السياسية. أجبته بكل ثقة: أبدا. نحن نقبل حصاد صناديق الاقتراع. وأظن أن الإسلاميين في الأردن (الجماعة والحزب) قبلوا به كخيار وحيد لتداول السلطة.اضافة اعلان
هل هناك حقا ما يستحق الخوف والهلع من وصول إسلاميينا بقوة إلى البرلمان، وتشكيل أغلبية برلمانية تشرّع وتحكم؟
ابتداءً، أنا لا أتوقع أبدا أن يصل الإسلاميون إلى أغلبية برلمانية، ولا أظن أنهم يطمحون إلى ذلك؛ ليس كرما منهم، بل لأن قوتهم الانتخابية لا تؤهلهم، وهم غير مستعدين في هذه المرحلة للحكم لأسباب يطول شرحها.
أما السبب الأهم الذي لا يدعوني "للفزع"، فهو أن إسلاميينا يتمتعون بدرجة عالية جدا من البراغماتية والواقعية السياسية، لأنهم تربوا وترعرعوا في كنف النظام، ولم يتعرضوا للقمع والاضطهاد، كما رفاقهم في تونس أو مصر أو المغرب أو سورية. فليس بينهم وبين النظام دم أو ثأر، بل تاريخ مفعم بالود والتعاون والحسنى. والفراق الحاصل اليوم هو خلاف سياسي، لم يصل إلى مرحلة كسر العظم. وقد أظهر الإسلاميون درجة عالية من تحمل الضغط والتعايش معه والقبول به. وأسطع مثال يجسد ما أقول قبولهم بنتائج تزوير مجلس النواب الخامس عشر (الماضي)، ورضاهم بوجود ضئيل (6 نواب فقط)، وتسليمهم بمصادرة جمعية المركز الإسلامي، ذراعهم المالية والاجتماعية القوية.
ظهور تيارات أو أصوات داخل "الجماعة" تطرح أهدافا سياسية بسقوف عالية، لا يغير من واقع الحال. فهذه الأصوات العالية تخدم اللعبة السياسية "للجماعة"، وما تزال أقلية، وعندما تصبح أكثرية فلن تبقى الجماعة موحدة أبدا. وسبق أن شاهدنا "بروفات" على ذلك في مراحل سابقة من الصراع الداخلي المحتدم.
الإسلاميون عندنا يميلون دوما إلى المساومة والبحث عن القواسم المشتركة، وهذا يحسب لهم. وليس في برنامجهم الراهن التصادم مع الدولة والمجتمع، حتى لو نزلوا إلى الشارع وشكلوا مع حلفائهم جبهات وائتلافات إصلاحية أو شعبية أو تحت أي مسمى آخر.
أنا لا أجد في البرنامج الإصلاحي للإسلاميين في الأردن ما هو متطرف أو غير واقعي، وأجد أن التفاهم معهم ممكن.
من حقهم أن يناوروا لتحسين شروط اشتراكهم في العملية السياسية والبرلمانية. فبعد أن فشلت محاولات عزلهم وتحجيمهم، هم يعرفون أن مشاركتهم في العملية السياسية القادمة مرغوبة، لا بل من شروط الاستقرار وعبور المرحلة، وتسهل على الدولة احتواء المعارضات الأخرى، وتحديدا حراك المحافظات الذي يرقب سلوك الإسلاميين ويأخذ مسافة عنهم. صحيح أن الربيع العربي حمل معه عناصر قوة ودعم معنوي وسياسي للإسلاميين في كل البلدان العربية، والصحيح أيضا أن النظام الأردني قوي بما فيه الكفاية. فالتوازنات الداخلية، الاجتماعية والسياسية على اختلافها بما فيها التركيبة الديموغرافية، تعطي الحكم في هذه المرحلة القدرة على رفض شروط (إصلاحات) تسمح بالعبور إلى المجهول الذي يعني تغيرا جذريا في أساليب الحكم. وحجر الرحى في هذه المرحلة هو وجود مجلس أعيان معين، ضامن لمسار التشريعات والإصلاحات.
التزام الملك أمام مجلس الأمة، بإجراء مشاورات نيابية قبل تشكيل الحكومات، بدءاً من البرلمان القادم، يستجيب لمطلب الإسلاميين وغيرهم لتغيير آلية تشكيل الحكومات وإن لم يصل الأمر إلى نص دستوري واضح. هذا من شأنه أن يمهد الطريق أمام تفاهمات مع الإسلاميين على المشاركة في العملية السياسية القادمة، وعنوانها: البرلمان القادم.
أنا لا أقبض جديا أنهم ينتظرون مآل الثورة السورية ليحددوا سقف مطالبهم، لأن الصراع في سورية سيأخذ وقتا طويلا.
هذا هو الواقع كما أراه.. ومعاندة الواقع تضر ولا تنفع.

[email protected]