الإسلام السياسي.. تطوّرات مهمة 1-2

يجتمع خبراء وباحثون متخصصون في الحركات الإسلامية، خلال اليومين المقبلين (الأربعاء والخميس، في فندق اللاندمارك في عمّان) للنقاش والحوار في المؤتمر الدولي العلمي، الذي يعقده مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مع مؤسسة فريدريش أيبرت في عمّان، بعنوان "ما بعد الإسلام السياسي: السياقات، الشروط والآفاق".اضافة اعلان
من المتوقع أن تعالج الأبحاث والأوراق مستقبل الحركات الإسلامية، التي قررت الانخراط في العمل السياسي الديمقراطي، وقبلت بالتعددية والديمقراطية وتداول السلطة، ثم طوّرت العديد من هذه الحركات مقاربات أكثر توغّلاً في هذا المجال، مثل القبول بالدولة المدنية وفصل الدعوي عن السياسي والتخلّي عن الشعارات الإسلامية التقليدية، ما يعني -عملياً- التحوّل نحو "مفهوم" آخر في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي، والانتقال من أيديولوجيا الإسلام السياسي، التي أسست مفاهيم وأفكار هذه الحركات خلال عقود طويلة إلى مفهوم جديد للعمل السياسي والانخراط في الحياة السياسية والحزبية بصورة مختلفة.
هذه المفاهيم والمواضيع الشائكة جديرة بالاهتمام والتأمل والمتابعة؟ لأنّنا -وهنا بيت القصيد- لا نتحدث فقط عن مستقبل حركات أو أحزاب معينة، ذات طبيعة أيديولوجية، إنّما عن موضوع أكبر من ذلك بكثير، قد تكون هذه الأحزاب أحد أهم مركباته، وهو بناء شيفرة العلاقة المطلوبة بين الدين والديمقراطية، بين التراث الديني-الإسلامي والعالم المعاصر، الإيمان والمواطنة، التدين والحرية، فهنالك العديد من المفاهيم الملتبسة والثقافات الاجتماعية المرتبكة اليوم في العالم العربي.
إذا تمكّنت الحركات أو الأحزاب من تجاوز الحدّ الفاصل بين الإسلام السياسي إلى ما بعده، أسوةً بالنموذج التركي والمغربي والتونسي اليوم، فإنّنا نكون قد قطعنا شوطاً مهماً في الطريق إلى زرع الثقافة الديمقراطية وإزالة التناقضات والهواجس السياسية الحالية، وتفكيك معضلات حقيقية طالما وقفت في طريق تطوير مسار الديمقراطية بحجّة الخشية من الإسلاميين وعدم القدرة على بناء مسارات واضحة للعلاقة بين الدين والديمقراطية.
أحد أبرز المنظّرين لمفهوم "ما بعد الإسلام السياسي" (وهو محرر كتاب مهم يعالج الموضوع نفسه بعنوان "ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي")، يضع فقرة مهمة توضّح جوهر المفهوم -أي ما بعد الإسلام السياسي- بالقول: "محاولة واعية لتأطير مفاهيم ووضع استراتيجيات لبناء منطق ونماذج متجاوزة للإسلاموية في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية. ومع ذلك؛ فهي -أي ما بعد الإسلاموية- ليست علمانية أو معادية للإسلام أو غير إسلامية، فهي بالأحرى تمثل سعياً نحو دمج التدين بالحقوق والإيمان بالحرية والإسلام بالتحرر. إنها محاولة لقلب المبادئ المؤسسة للإسلاموية رأساً على عقب من خلال تأكيد الحقوق بدلاً من الواجبات، ووضع التعددية محل سلطوية الصوت الواحد، والتاريخية بدلاً من النصوص الجامدة، والمستقبل بدلاً من التاريخ. إنّها تريد أن تزاوج بين الإسلام والاختيار الفردي والحرية، على اختلاف درجاتها، من ناحية والديمقراطية والحداثة من ناحية أخرى، لتحقيق ما أطلق عليه البعض "حداثة بديلة"، لقد تم التعبير عن بعد الإسلاموية في الاعتراف ببعض أسس العلمانية مثل التحرر من التزمت والقطيعة مع احتكار الحقيقة الدينية، وفي الوقت الذي تتحدد فيه الإسلاموية بربط الدين بالمسؤولية، فإنّ ما بعد الإسلاموية يؤكد التدين والحقوق، مع ذلك، فبينما تفضّل الدولة المدنية غير الدينية، فإنّها تتوافق على دور للدين في المجال العام".
نحن -إذاً- أمام تحولات مهمة وبنيوية في الأيديولوجيا والأفكار لدى هذه الحركات، وتطوّرات أشبه بالانقلابات؛ فإلى أي مدى يمكن أن يتحقق ذلك وينتشر؟ هذا ما سنحاول طرحه في مقالة يوم غد..