الإشكالية الاقتصادية في الأردن

نستطيع أن نعقد المشكلة الاقتصادية في الأردن الى خطوط متشابكة، تعقدنا معها وتعجزنا عن الحركة، وتبث فينا روح اليأس. ونستطيع أيضاً أن نرسم صورة بالخطوط الرئيسية مع بعض التفاصيل نستطيع أن نقرأها ونحدد وسائل التعامل معها وفق أولويات وبرامج واضحة.اضافة اعلان
إذا جلست الى التجار تحدثوا لك عن مشاكل الكهرباء، والجمارك، وضريبة المبيعات، ونقص الترويج، وقانون المالكين والمستأجرين، وارتفاع فوائد البنوك، ونقص الطلب، والإغراق من الخارج، والباعة المتجولين، وصعوبات النقل بالشاحنات، وعشرات المشكلات الأخرى. وقد يكونون على حق، ولكن كيف ستحل كل هذه المشكلات؟
وإذا تحدثت الى الصناعيين حدثوك أن الصناعة تعاني من المنافسة الخارجية، وارتفاع كلفة الطاقة، ونقص العمالة المدربة، وصعوبة التسويق، والتناقض في الجمارك، وانعدام الائتمان المناسب للصناعة، وممارسات الدول المستوردة، واتفاقيات التجارة مع الدول الأخرى، وكثرة الرقابة الحكومية وتعددها، وغيرها من الأمور.. فكيف ستحل كل هذه المشاكل؟
وينطبق نفس الحال على الزراعة، والإنشاءات، وقطاع النقل، وقطاع السياحة، وغيرها. وستجد أن الحل الذي يمكن أن تقدمه لأي جهة سيكون إما على حساب الخزينة أو على حساب قطاع آخر. فتخفيض الجمارك مثلاً على بعض السلع قد يفيد التاجر، ولكنه قد يَضُر بالصانع. وبالخزينة، وكذلك قد نرى أن تحديد استيراد بعض السلع سوف يفيد الصناعي ويضر التاجر والموازنة العامة. وإذا انصفت العمال، أرهقت المستثمر. وهلمجرا. وفي الظروف العسيرة، وتراجع النمو وثبات حجم الكعكة المراد تقسيمها، يصبح تكبير حصة أي فرد أو مجموعة أو قطاع على حساب فرد أو مجموعة أو قطاع آخر. وقد تعلمنا أن المستفيدين من القرارات لا يعبرون عن شكرهم، وأن المتضررين يصيحون شاكين بأعلى أصواتهم.
إذن فحل المشكلة الاقتصادية يضع صانع القرار أمام معضلة سيئة، فهو إن أقدم على الحل سمع من يشتكي منه، وإن لم يفعل شيئاً سمع من يتهمه بالتقصير. ولا أسوق هذا المنطق لأبرر للحكومة، أي حكومة، عجزها عن الحل، بل لأقول إن الحل الاقتصادي يتطلب توافقاً شعبياً على الأولويات.
وبدون رسم الأولويات، وجدولة البرنامج الساعي لإنجازها، فإن السياسة الاقتصادية ستبقى بدون رأس أو حتى جسم، وسوف تعصى المشكلات عن الحلول. وكيف تضمن توافق الناس على الأولويات والبرامج والسياسات؟ هذا يتحقق إما ضمن خطة واستراتيجية يناقشها الناس ويتفقون عليها، وهكذا يستفيد الناس من مغانمها ويضحون مقابل مغارمها وهم مدركون النعمة التي جاءتهم وحجم التضحية المطلوبة منهم.   أو أن الديمقراطية هي الحل. وتحدد الأولويات انطلاقاً من الناس أنفسهم. هل يريدون مزيداً من الاستهلاك أم الاستثمار؟ هل يفضلون حل مشكلة الطاقة على حساب الطرق والجسور؟ هل يريدون زيادة الرواتب التقاعدية مقابل زيادة فرص العمل؟ وهكذا، تكون الحلول أكثر وضوحاً.
دعونا نسأل سؤالاً: لو عرض أحد على الأردن مبلغ (2) مليار دينار كمساعدة سنوية لمدة خمس سنوات، هل نملك صورة وخطة لإنفاق هذه المبالغ من أجل حل مشكلاتنا، ووضع الاقتصاد على طريق النمو المتواصل؟ هل نوزع النقود على الناس أم هل نحول هذه المبالغ نحو الأولويات الوطنية؟
قد تكون مشكلتنا من حيث حجمها المالي (2) مليار دينار في العام؟ ولكن المشكلة الأدهى إذا أسأنا استخدامها، ولم نستثمرها في الأوجه الصحيحة. والسؤال الآخر: هل صحيح أن الأردن بكل موقعه ومؤسساته وأفراده عاجز عن تأمين مبلغ (2) مليار دينار إضافية بقصد استثمارها استثماراً راشداً؟