الإصلاح أقرع!

نغرق في أحيان كثيرة في تفاصيل التطورات السياسية والأحوال اليومية في نقاشاتنا السياسية وموادنا الإعلامية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعية، من دون أن نحدد الإطار المنهجي العام، الذي يساعدنا على فهم تلك التفاصيل ووضعها في سياقها المناسب.اضافة اعلان
 للتوضيح أكثر نختلف حول السياسات الاقتصادية وقضايا الإصلاح السياسي وقانون الانتخاب والمناهج التربوية، وقضايا الحكومة والفساد والأسعار، لكن من دون أن نتوافق أو نتفاهم مسبقاً على قضايا أساسية وجوهرية من شأن الإجابة عنها إعادة تأطير النقاشات وتنخيلها وإخراجنا من حالة "الثرثرة" غير المجدية!
 هذه الأسئلة بالمناسبة ليست خاصة بالحالة الأردنية، بل تكشّف مع الربيع العربي أنّها حالة عربية، وربما إسلامية، عامة، وتواجه المجتمعات التي تقع في طور التحوّلات والتغيرات السياسية (الانتقال إلى أنظمة جديدة)، والاقتصادية، وحتى الثقافية والمجتمعية، إذ أنّ مثل هذه المجتمعات تعاني من حالة "الشك" في المسار الذي من المفترض أن تسلكه في المستقبل، فما بالك إذا كانت تلك المجتمعات – كما هي الحال عربياً- لم تجب عن أسئلة ما تزال عالقة منذ قرون وتائهة بين هويات متضاربة ومتنازعة وخيارات غير واضحة!
 ما هي الأسئلة البدهية المقصودة، التي من المفترض أن نطرحها على أنفسنا؟ يمكن اختصارها بداية بثلاثة أو أربعة ثم يتفرع عنها جملة كبيرة من التساؤلات؛ السؤال الأول: من نحن؟! وماذا نريد؟! وكيف نصل إلى ما نريد؟!
 من نحن الأردنيين؟ كيف نفهم أنفسنا؟ وكيف نشخّص الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحالية؟ بمعنى: أين نقف؟!
 ماذا نريد؟ وهو سؤال أساسي ومهم لا يمكن القفز عنه في تعريف الإصلاح المطلوب وتحديد معالم الطريق إليه، بل وعدم الإجابة عن هذا السؤال أدت إلى ما رأينا من ارتباك الحراك الأردني خلال مرحلة الربيع العربي وتضارب أجنداته وأولوياته بصورة كبيرة.
 هل نريد دولة ديمقراطية؟ وما هي مواصفاتها المحلية؟ وكيف ستعالج الشكوك والاختلالات القائمة؟ وما هو ترسيمنا لدور الدين في الحياة العامة والخاصة؟ هل نريد دولة ذات هوية إسلامية عربية لكنها منفتحة أم دولة محافظة دينياً وعشائرياً أم دولة ليبرالية إلى أقصى مدى؟ ما هي هوية الدولة؟ هل هي دولة توازن بين العوامل العشائرية والطموحات المدنية والديمقراطية؟ هل هي دولة المواطنة أم الحقوق المكتسبة والمحاصصة؟!
 على الصعيد الاقتصادي؟ هل هي الدولة الراعية التي تتكفل بتأمين الوظائف ورعاية المجتمع؟ أم دولة الضرائب التي تبني اقتصادها على أساس عجلة السوق؟ أم دولة الطريق الثالث كما طرح بعض الأردنيين؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك في ظل الموارد الحالية وفي ضوء السياسات التي تسير بسرعة كبيرة في إطار وصفات المؤسسات الاقتصادية الدولية؟
 هل فعلاً نريد حماية الطبقة الوسطى أم هو شعار فارغ لا قيمة له يرفعه السياسيون من باب "أنا لا أكذب ولكني أتجمل"؟! كيف يمكن حماية هذه الطبقة وتوسعتها في ظل السياسات المالية الراهنة التي تضغطها إلى أقصى مدى؟! هذا غير ممكن وليس واقعياً.
 اجتماعياً هل نريد مجتمعاً حرّاً يعلي من شأن القيم الفردية والثقافة الليبرالية أم مجتمعاً محافظاً متديناً أم مجتمعاً هجيناً يجمع بين الحفاظ على الهوية العامة مع مساحة واسعة من الحريات الفردية؟!
 إذا لم نتفق على الإجابة عن هذه الأسئلة ونضع "مظلة فلسفية" وطنية لها، فإنّنا لا يمكن أن نسير خطوة واحدة في الإصلاحات المطلوبة على الجوانب كافّة، فكيف يكون ذلك من دون أن نعرف الهدف والطريق والأولويات؟! سنبقى ندير كل شيء –سياسياً واقتصادياً وثقافياً- بعقلية المياومة، حتى لو وضعنا مئات الخطط الاستراتيجية العشرية؟!