الإصلاح الإداري ومصلحة الوطن

د. أماني غازي جرار

نعيش اليوم في العالم أجمع حالة من التحديات التي تواجه بقاءنا وإنسانيتنا وكرامتنا، بشكل يحتم علينا كبشر مسؤوليات عديدة في الوقت الراهن، حيث التحديات البيئية والسياسية والأوضاع الاقتصادية الصعبة.اضافة اعلان
ولعل هذا يتطلب منا معا مواطنين ومسؤولين في الأردن مزيدا من الاهتمام بالتطلع لتقديم أفضل الخدمات لمتلقيها، وضرورة بذل مزيد من الجهود في مجالات الإصلاح والتطوير الإداري.
دعونا نتفق مع مقولة استاذ الإدارة بيتر دراكر الشهيرة بأنه ليس هناك دول متخلفة اقتصاديا، وإنما هناك دول متخلفة إداريا. فهذه العبارة تمنحنا الأمل في إمكانية إحداث التغيير الايجابي المطلوب، لننشد برامج الإصلاح القادرة على التغيير المنشود. فرصتنا إذا في إحداث التغيير الإيجابي من خلال برامج تطوير وإصلاح شامل تجعل وطننا الأردن في أوائل المصاف في الوطن العربي، بشكل يكون قادرا على مواءمة المتغيرات المتسارعة.
لا يخفى على أي خبير ودارس للشأن التنموي، ان الإصلاح الإداري هو العجلة الاساسية في الإصلاح في كافة المجالات الأخرى، فالإدارة إما أن تكون محركا أو معيقا لحركة الإصلاح الاقتصادي والسياسي.
ولعل جائزة الملك عبد الله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية خير برهان على أهمية ذلك، فالقائد يعي تماما دور الإدارة الفاعلة في إحداث التغيير، حيث كرس لها جائزة لتكون ارفع جائزة على المستوى الوطني. ومن الملفت انها الجائزة الوحيدة في الوطن العربي، لا بل في العالم التي حمل اسمها ليس فقط التميز بل الشفافية، رغبة من سيد البلاد التأكيد على اهمية تعزيز الشفافية في مؤسساتنا ليكون الأردن بالمستوى التنافسي الذي يليق بالرؤية الملكية لقائد التحديث وملهم التطوير.
من هنا كان علينا جميعا واجب العمل. فلنتفحص ما يجري وننقذ ذاتنا ووطننا بالسعي للتطوير. وتتواكب الحكومات ويبقى الهم الأكبر.. الإصلاح سواء كان السياسي أو الاقتصادي أو الإداري. وتبقى أيضا برامج الإصلاح بشتى فروعه التي تعنى بالتصحيح والتطوير والتنمية. وليكون السؤال الأهم مدى قدرتها على التصدي للمشكلات القائمة. فجلي للعاملين في مجال الإدارة والمهتمين بشؤون التطوير معرفتهم للواقع الإداري الذي نعيشه. ولكن أكاد اجزم هنا أن فحوى مشكلتنا هي الإدارة بصرف النظر عن اللعب بالألفاظ وبعيدا عن محاولات تجميل الواقع من خلال برامج إصلاح دون متابعة أو برامج إصلاح مغامرة تجب ما قبلها.
إن الإصلاح الإداري الشامل المنشود يراعي كل هذه القضايا بدءا من البحث في أسس وآليات اختيار القيادات الإدارية وملء شواغر الإدارة العليا، وحتى العمليات التخصصية الفنية المختلفة في المؤسسات والدوائر الحكومية وكذلك متابعة أداء الموظفين. فعلى الرغم من أهمية متابعة تطوير التنظيم الإداري ومراجعة الهياكل التنظيمية، وبالرغم من أهمية تطوير التشريعات المعنية بالجانب الإداري، والذي لا بد أن تتابعه حثيثا المؤسسات المعنية بالتطوير الإداري، إلا أن المهم ان نعير مزيدا من الاهتمام بالعمليات والأنشطة والخدمات المقدمة للمواطن. ولعل الأهم في هذه الحالة،هو الاهتمام بالعنصر البشري القائم على هذه العملية، بتحفيز الموارد البشرية وحسن ادارتها لتكون عنصرا فاعلا في إحداث التغيير المطلوب من أجل مصلحة المواطن.
الحكومات على اختلافها سعت لوضع اسس للتعيين في المواقع القيادية، كما قدمت برامج إصلاح تطويرية، إلا انه كثيرا ما تصطدم مع الواقع في بعض الاحيان حيث النفوس الضعيفة التي ترفع مصلحتها على مصلحة الوطن، فنرى ملامح مشكلات مستعصية كالواسطة أو المصالح السلطوية المتبادلة والمحسوبية أو الشللية والفساد.
وأختم هنا لأنفي مقولة (ليس بالإمكان أكثر مما كان )، ولأقول انه يجب ان يكون (بالإمكان أكثر مما كان). علينا فقط دعم الموارد البشرية الكفؤة في مؤسساتنا، والتي تشكل عناصر التغيير الفاعلة والضرورية لإحداث النقلة النوعية والحقيقية في مؤسساتنا. فليس من المعقول ان يكون المطلوب دائما تدخل جلالة الملك شخصيا لإحداث التغيير، وإنما لا بد ان نحمل على كاهلنا إدارة التغيير من أجل خير ومصلحة وطننا أولا.