الإصلاح التربوي من باب التأهيل النفسي

لا أدري إذا كانت وزارة التربية تُصغي إلى ما يُنشَر في الصحافة المحلية؛ الورقيّة منها والألكترونيّة، توثّقه وتدرسُه، وتتبنى أفضل ما فيه، مما يتّصل بالتطوير والإصلاح والخروج من مأزق الانهيار التربوي! وإذا لم تكن تفعل حتى الآن، فأولى لها أن تبدأ –وبأثر رجعيّ- في جمع المقالات وبيانات الندوات التي يقدمها أهل الاختصاص والنظر في المسألة التربوية والمناهج والكتب المدرسيّة. فذلك أولى من لجانٍ تؤلّفها من أشخاصٍ، معظمهم كان عنصراً مسؤولاً، من عدة عناصر، عن انهيار التربية، والتسبّب في جمود المحتوى الدراسيّ وأدلجته.اضافة اعلان
وإذا حدثَ ذلك في إلهامٍ نورانيّ، فأرجو أن يكون ممكناً الكفّ عن حركات إنقاذ النفسِ أمام الجنون الأيدولوجيّ العنيف في ساحة الشعب، والذهاب بالإصرار نفسه إلى إنقاذ التعليم فعلاً وحقّاً. فساحة الشعب من التهتّك الأخلاقيّ، وتبني قيم العنف والتكفير، والذهاب إلى التصفية الجسديّة، مما بات يعمي الأبصار والقلوب، بحيث بات من المستحيلِ المستحيلِ الانتظار أو غضّ الطرف أو الطمأنة بالعبارة الغثّة أن الوطن بخير مادامت الثوابتُ بخير! فالوطن ليس بخير ما دام شابٌّ يجزُّ عنقَ أمه التي أنجبته، ومعلمون يدعون الطلبة إلى إحراق الكتب الدراسية، وإخوةٌ وأزواج تتفاقم أعدادهم يقتلون نساء العائلة على خلفية "شرفٍ مهدور"، وشباب عاطل أو معطَّل تلتهمه المخدرات، ولم تُعدّه المدرسة أو الجامعة لسوى الوظيفة الحكوميّة.
فإذا كانت بِنيةُ الوطن وشبابه على هذه الدرجة من التهتّك والخلل، فإنَّ الإصلاح التربويّ لا يمكن أن يتمّ إلا إذا أُعيدَ تأهيل طرفي العملية التربويّة كما يُؤهّلُ أطفالُ داعش الذين تعرضوا لنوعٍ من التربية الإسبرطية العنفية وكراهية العالم والتحضُّر. والطرف الأوّل هو المعلم والمعلّمة اللذان هما نتاجٌ بخسٌ لمنظومةٍ تعليميّة بدأت تتهالك منذ نصف القرن، على وزارة التربية/ محوّلةً طاقة الإبداع والنموّ الطبيعية لدى الطلبة إلى احتقانٍ جنسيٍّ يتحاشى الجنس الآخر في تنميط شرسٍ للمرأة وكينونتها الإنسانيّة، وإلى شوفينيّة دينيّة تغطس في طين التخلّف وهي تتباهى على العالمين. فليس من العدل لوم المعلمين والمعلمات على إعادة استخدام القوالب التي وضِعَت فيها عقولهم من قبلُ وهم على مقاعد الدرس، إذ من أين ستأتي استراتيجيات الابتكار والتفكير الناقد، وهي قد مُحِيَت محواً مما تعلموا! والطرفُ الثاني هم الطلبة الذين آذتهم طرائق التدريس التي تصادر العقل ونشاطه الحرّ، ووُضِعوا في ذات القوالبِ البغيضة التي لا يتنفس فيها المرء إلا بإذن، وعنوانها العنفُ والطاعةُ العمياء لنصٍّ مبتور السياق. فبكل الأدوات تمَّ امتهانُ طفولة الطلبة، وعلى رأسها ما هو مدسوسٌ على قراءة الدين، ومصنوعٌ من البغضاء وكراهية الآخرين.
ولذا صار لزاماً التعامل مع التربية تعامل الأطباء مع مدمني المخدرات، وتعامل علماء النفس مع أطفال الحروب المفجوعين بعدد لا يُحصَى من الانتهاكات والتدمير. وأيُّما تجاهل لهذا الواقع ولهذا العلاج المرّ، لن يجلب خيراً لبلد تحيقُ به الأخطار، وتتربَّصُ به المهالك..
دعونا لا نفقد الأمل...!