الإصلاح عملية مستمرة

تستحق قريباً المراجعة الدورية لصندوق النقد الدولي لأداء الاقتصاد الأردني، وهي لا تقتصر على المراجعات الروتينية ضمن المادة الرابعة من اتفاقية إنشاء الصندوق، ولكنها تأتي ضمن استمرار الترتيبات الائتمانية التي عاد الأردن إليها منذ منتصف العام 2012، وكان آخرها في آب (أغسطس) 2016 لمدة ثلاث سنوات. ولعل النصف الممتلئ من تلك المراجعات يعكس أهمية وجود جهة لها مصلحة تراجع الأداء وتتأكد من الالتزام ببعض الشروط، على قساوتها؛ أي أنها تضمن، نسبياً، عدم الخروج على السياق، وعدم التبذير، وتكفل نوعاً من الرشد في الإنفاق العام. وهذا النصف الممتلئ هو من جهة ضابط للحكومات، في تصرفاتها وفي إنفاقها، ومن جهة ثانية، ضامن للدائن على الحصول على ديونه المستحقة ضمن الترتيبات المتفق عليها. وعلينا أن نتذكر هنا أن الأردن بدأ مشوار الترتيبات الائتمانية المرتبطة بشروط، ومشروطية صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، في نهاية العام 1989، وذلك ضمن ترتيبات ائتمانية بدأت العام 1990، وعُدِّلت مرات عدة لظروف المنطقة وظروف الاقتصاد، وانتهى الأمر بتخرج الاقتصاد الأردني من تلك الترتيبات العام 2004؛ أي بعد نحو 15 عاماً من الرقابة المِجهَريّة من قبل الصندوق. ولعل الاعتقاد من بعض أصحاب القرار في الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ بأن عملية الإصلاح الاقتصادي انتهت، وأننا حصلنا على شهادة التخرج، أدى إلى الهبوط إلى قعر الزجاجة مرة أخرى، والوصول إلى أوضاع اقتصادية حرجة جعلت من العودة إلى الترتيبات الائتمانية مع الصندوق قضية لا مناص منها. تلك العودة لها شروطها، وترتيباتها، ومتطلباتها، وتحتاج دوماً إلى فريق قادر على المساعدة على الحصول على أموال الترتيبات بشروط يمكن للاقتصاد تحملها، ويمكن له أيضاً أن يفي بالتزاماتها، وخاصة تلك المتعلقة بالتسديد. الشاهد مما سبق، أن الاعتقاد بأن الإصلاح مشروع له بداية وله نهاية، وأنه ينتهي بانتهاء برنامج الترتيبات مع الصندوق، هي مقولة مغلوطة كلفتها مؤلمة، وشروطها قاسية، لا لشيء إلا لأن المريض حينما يعود للطبيب بالمرض نفسه الذي عولج منه سابقاً، يكون على الطبيب أن يشدد على المريض الوصفة وأن يزيد عليه الرقابة. الإصلاح بشكل عام، والإصلاح الاقتصادي بشكل خاص، هو عملية مستمرة، لا تقف عند برنامج وترتيبات مع المؤسسات الدولية، ولا تنتهي بتغيير الحكومات وتغير الأشخاص. خصوصية الإصلاح الاقتصادي أنه يتطلب أن يرتبط بتحقيق أهداف اقتصادية كلية، ومؤشرات أداء إيجابية، وإلا فهو إصلاح معيب أو منقوص. وقد ثبت ذلك بشكل جلي خلال التجربة قبل الأخيرة، بين 2012 و2016، والتي أفضت إلى ترتيبات ائتمانية مع الصندوق، ضمن برنامج وشروط، وانتهت بتراجع النمو الاقتصادي، وزيادة البطالة، وزيادة المديونية من حيث القيمة الكلية ومن حيث النسبة إلى الناتج المحلي، وعدم زوال العجز المالي. البرنامج أو الترتيبات التي تنتهي إلى مثل هذه الظروف تشير إلى عيوب أساسية في البرامج والسياسات المطبقة. وفي الختام، فنحن اليوم أمام نهاية الترتيب الأخير مع الصندوق، والذي من المتوقع أن ينتهي قرابة منتصف العام الحالي، والسؤال اليوم: هل حققنا إصلاحاً حقيقياً أما أننا بحاجة إلى وضع مقومات حقيقية مختلفة للإصلاح؟ قناعتي أن هناك ما تحقق وما يمكن البناء عليه، ومن المؤكد أن الترتيبات مع الصندوق أفضت إلى ضوابط مهمة في عملية الإنفاق والترشيد، ولكن القناعة أيضاً أننا بحاجة اليوم، قبل أي وقت، إلى البدء بصياغة برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي يعمل على تحقيق مكتسبات فعلية على مستوى المؤشرات الكلية وعلى مستوى معيشة المواطن. والأمل أن تكون الحكومة قد بدأت بالعمل على تشكيل فريق عمل متخصص من الخبراء والمختصين لصياغة برنامج إصلاح اقتصادي وطني متكامل للسنوات الثلاث المقبلة، على أن يتم الانتهاء منه، قبل نهاية الترتيبات الحالية مع الصندوق، وأن يتم التشاور حوله مع الجهات المعنية كافة بما فيها الصندوق والبنك الدوليان.اضافة اعلان