الإصلاح ومحاربة الفساد

حين ينتهي النقاش من قانون الموازنة العامة، ستجد الحكومة نفسها أمام استحقاقين؛ الأول يتمثل في إطفاء الحرائق الاقتصادية والتصدي للمطالبات التي تتزايد عدداً واتساعاً، وتأخذ أشكالاً مختلفة من الاعتصامات والاحتجاجات، وهنا ستجد نفسها أمام ضغوط الموازنة العامة التي سيبلغ العجز فيها، إن بقي الحال على حاله، أكثر من (2) بليون دينار، والمديونية العامة رُبما تصل في نهاية العام الى (14) بليون دينار.

وأما الاستحقاق الثاني فيتمثل في الإنجاز السياسي، عن طريق خلق روح وطنية واحدة متماسكة، تؤمن بهذا الوطن ومستقبله، ويتفق أهلها أن الذي يجمعهم هو هذه المثل التي تتجاوز الشرانق المتزايدة التي يجد كل مواطن نفسه مخنوقاً فيها، ويطلبها لحماية نفسه.

وقد دفعت هذه التقوقعات داخل كل محافظة، وكل لواء، وكل بلدة، وكل عائلة، الى التنافس على المطلبيات من الحكومة التي تسعى لكي تلبي ما تستطيعه من حاجات الناس.

فالإصلاح السياسي يجب أن يسعى الى خلق المواطن الصالح المؤمن ببلده، والساعي لرفعته ونهضته، ولكن هذا الشعور لا يأتي من فراغ، بل من إحقاق الحق، وتبني المعايير الموضوعية، والمرجعيات الجامعة، ومنح الشعور للجميع أن هذا البلد هو بالفعل دولة مؤسسات ودستور وقانون.

والتعبير عن هذا الإصلاح السياسي مايزال يتمثل في قانونين أساسيين هما قانون الانتخابات وقانون الأحزاب بشكل رئيس، ولكن الأهم من وضع الصيغ، هو احترام الدستور والتمسك به وعدم مخالفته أو تجاوزه.

ومن ثم وضع القوانين المستندة الى روح الدستور ونصوصه بهدف تطبيقها، لا بهدف البحث عن نصوص تنظيمية تصبح هي نفسها القاعدة بدل أن تكون الاستثناء.

وإذا شعر المواطنون أنهم تحت مظلة واحدة، وأن هنالك رقابة تتابع بدقة، وبموجب معايير واضحة، فإن المواطنين سيكونون جاهزين للتعامل مع الحقوق والواجبات بشكل متوازن.

القضية الاقتصادية لن تنصلح ولن يتصرف المواطن على أساس حلها إلا إذا عالجنا القوانين، وطبقناها في الدوائر الرسمية بقوة ونزاهة، وراعينا مرجعياتها في القضاء العادل النزيه، فالقانون هو الميزان والتطبيق يكون بالقسط والعدل.

وحين نصل الى تلك المرحلة، تكون إمكانية التصدي للفساد ممكنة وواضحة، فالفساد بأشكاله المالية والاجتماعية والوظيفية والسكوت عليه هو الآفة الكبرى لأي اقتصاد في العالم مهما عظم. وكيف نقول للناس احتملوا واصبروا وضحوا إذا علموا أن هنالك من "يكشط" الفوائد من الصحون أولاً بأول؟.

الفساد هو الآفة. ودعونا نعترف أننا لا نعرف حجمه في الوطن العربي بعامة، ولا في الأردن. وهنالك أمثلة على أن قضايا الفساد لا تعالج بالكفاءة والفاعلية المطلوبة.

اضافة اعلان

وبدون قناعة الناس بالجدية الفاعلة في محاربته، سيعطي كل واحد نفسه الحق بالمطالبة، وبعدم تسديد المستحقات التي عليه للمجتمع..

[email protected]