الإصلاح يقف على رأسه

لا اختلاف بين الغالبية على أن مجلس النواب الحالي لا يمثل الإرادة الحقيقية لجمهور الناخبين، لأن انتخابه تم بموجب قانون لا يعكس عدالة التمثيل، ومن خلال عملية انتخابية غابت عنها إرادة المحافظة على نزاهة الانتخابات، ما فتح المجال واسعاً أمام تجارة الأصوات. ثم كان ما شاب العملية الانتخابية من تدخل حكومي على نطاق غير محدود.اضافة اعلان
في ضوء الخروقات الانتخابية، لم يعد مقبولاً أن يتولى مجلس النواب الحالي إخراج تشريعات الإصلاح السياسي التي تحتاجها المرحلة؛ من تعديل للدستور إلى القوانين الناظمة للحياة السياسية والعمل العام. فكان من الأسلم الدخول إلى الإصلاح والتغيير بحل مجلس النواب، وتشكيل حكومة توافقية من شخصيات خبرت الحكم والمعارضة ولا علاقة لها بالماضي؛ محافظيه وليبرالييه، تختار بدورها لجنة للحوار الوطني من كافة ألوان الطيف السياسي لصياغة التشريعات التوافقية المناسبة وإصدارها كقوانين مؤقتة، تليها انتخابات نزيهة، يتولى مجلس النواب المنتخب بموجبها النظر في التصديق على القوانين المؤقتة التي تم التوافق عليها.
وفي ذات السياق، يترك النظر في أمر التعديلات الدستورية لمجلس النواب القادم، الذي من المفترض أن يكون ممثلاً حقيقياً لإرادة الناس، والأمين على تطلعاتهم في الإصلاح والتغيير. أما القول بأولوية التعديلات الدستورية وضرورة أن تتم في عهد مجلس النواب الحالي لأجل تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات، فالجواب عليه أنه عندما توفرت الإرادة لدى مطبخ القرار العام 1989، تم إجراء واحدة من أنزه الانتخابات في تاريخ المملكة، على الرغم من عدم وجود هيئة مستقلة للإشراف عليها. بل يمكن القول إن وجود هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات لن يشكل فرقاً إذا غابت الإرادة السياسية تجاه نزاهة الانتخابات، إذ يمكن التدخل فيها حتى مع وجود الهيئة المستقلة.
مطبخ القرار اختار السير في غير هذا الاتجاه، فكانت المفارقة أن تم السماح لمجلس النواب الأكثر تعرضاً للنقد الشعبي في تاريخ الحياة النيابية في المملكة، بتولي إخراج البنية التشريعية لتجاوز المرحلة الراهنة واستشراف المستقبل. وبدا كأن القصد من ذلك تلافي احتمال إخراج التشريعات الإصلاحية الحقيقية التي يريدها الشارع فيما لو تم إخراجها كقوانين مؤقتة من قبل لجنة حوار وطني بإشراف حكومة توافقية، وترك التصديق عليها لمجلس النواب القادم. وما أكد ذلك تجربة لجنة الحوار الوطني التي على ما يبدو خضعت لرهان التوقع من قبل مطبخ القرار. وما إن جاءت توصياتها مخالفة لتوقعاته، حتى تم رفض ما خرجت به، وجرى تجاهل اللجنة نفسها في كل ما لحق من جهود تتصل بالإصلاح والتغيير، وظهر الإصلاح وكأنه يقف على رأسه مقلوباً، وشاع بين الناس أن الهدف من الإبقاء على مجلس النواب هو لفلفة قضايا الفساد، والموافقة على قانون انتخاب ليس بأفضل من سابقه. وهذا ما ثبت فعلا بعد أن تم التواطؤ على ملفات الفساد، وإخفاق الحكومة في مشروعها لقانون الانتخاب.
لماذا ما يزال من يديرون الأزمة ويوجهون دفة الأمور يخشون الإصلاح كما يريده الشارع الذي ما يزال ينخرط في حراك سلمي على مدار عامين كاملين؟ حري بمن بيده القرار أن يلاقي الحراك الإصلاحي وقوى الإصلاح في منتصف الطريق على الأقل، ليكون ذلك دليل حسن نية وخطوة للتدرج في سلسلة خطوات للحوار مع الناس، وتلبية مطالبهم بمزيد من الحريات السياسية، وتعزيز بنى المجتمع المدني والحياة الحزبية، وضمان انتخابات حرة تفرز مجالس نيابية تمثل الإرادة الحقيقية للناخبين، وتوفير الرقابة النزيهة على السلطة التنفيذية، وإنتاج التشريعات التي تخدم المصلحة العامة.
في مواجهة المرحلة الراهنة، والاستعداد للمستقبل على نحو سليم وآمن، لا نحتاج أبداً إلى اختراع العجلة من جديد. فأمامنا مقاربة انتفاضة العام 1989 التي أفضت معالجاتها الحكيمة إلى ميثاق وطني توافقي، وانتخابات حرة، ومجلس نواب يمثل إرادة الناخبين على أساس صيغة قانون الانتخاب الذي كان سارياً العام 1989.

[email protected]