الإضرابات في قانون العقوبات الجديد

لا أحد يؤيد التخريب، أو استخدام العنف أو الشدة لتحقيق مطالب عمالية أو مهنية، لكن الإضرابات السلمية العمالية والمهنية لتحقيق مكتسبات أو الدفاع عن الحقوق، لا يمكن تصنيفها كجريمة يعاقب عليها القانون. فالقانون يجب أن يعاقب من يعتدي على المال العام، أو يمارس العنف والشدة لتحقيق مطالبه حتى ولو كانت عادلة. اضافة اعلان
مناسبة هذا الحديث، التعديلات الجديدة التي تضمنها مشروع القانون المعدل لقانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960، والذي نص في إحدى مواده على تجريم الإضرابات، وبالتالي فرض عقوبات تصل إلى السجن لمن يقوم بالإضراب وممارسة حقه الدستوري بالتوقف عن العمل احتجاجا على ممارسات أو إجراءات تعسفية. طبعا، نحن لا نؤيد الإضرابات التي يقوم بها البعض بطريقة غير قانونية وتؤدي إلى أضرار كبيرة بالمنشآت ومصالح المواطنين. ولكن، معاقبة متضررين من إجراءات تعسفية لممارسة حقهم الذي نص عليه الدستور وقانون العمل لمواجهة هذه الإجراءات، بالإضراب أو بالتوقف عن العمل، سيزيد من تعسف بعض أصحاب العمل، وسيضعف العمال والموظفين.
المادة في مشروع القانون التي نتحدث عنها هي المادة 183 مكرر، وتنص على أن "كل موظف أو مستخدم عاما كان أو خاصا امتنع عن العمل بهدف الضغط لتحقيق مطلب معين أو حرّض على ذلك في المؤسسات التي تقدم خدمات عامة أو أساسية للجمهور يعاقب بالحبس مدة ثلاثة أشهر أو بالغرامة من خمسين دينارا إلى مائتي دينار". وأعتقد أن هذا النص يتعارض مع قانون العمل الذي أتاح للعامل الإضراب بشرط إبلاغ صاحب العمل قبل أسبوعين أو أكثر بنيته الإضراب.
من الضروري أن لا يحرم القانون العمال بفئاتهم كافة من حقهم في ممارسة الاحتجاج السلمي والمتزن والذي لا يسيء لأحد، على قرارات وإجراءات تعسفية، وإلا ستضطر السلطات التنفيذية إلى إيقاع عقوبات بالجملة على الكثير من العمال. علما أن الاحتجاجات العمالية لدينا كثيرة ومردها إجراءات وقرارات تعسفية تهضم حق العمال في الكثير من حقوقهم.
وفي السياق، فإن النقابات المهنية التي برزت في الدفاع عن حقوق أعضائها، تأخرت في التعبير عن رأيها في المشروع، مع أنها اعتبرت بعض مواده لاحقا تدخلا مباشرا في شؤونها الداخلية. التأخير في تحديد الموقف من مواد في "القانون الجديد"، بحسب المطلعين، يعود إلى جملة من الأسباب، من أبرزها العلاقات المضطربة الداخلية بين النقابات المهنية التي تسيطر على مجالسها قوى سياسية وفاعليات نقابية متباينة بوجهات نظرها في الكثير من الملفات والقضايا الساخنة. ومع ذلك، اتخذت النقابات المهنية موقفا رافضا لهذه المادة وبعض المواد الأخرى، وهي تعتزم تقديم مذكرة قانونية من خلال نقابة المحامين تحدد فيها المواد غير الدستورية في مشروع القانون، لعل وعسى أن يأخذ بها مجلس الأمة عند نقاشه المشروع.