الإطار القانوني لصحة نشر الأخبار

المحامي محمد قطيشات

لم تحدد التشريعات الأردنية المتعلقة بالإعلام بشكل واضح الأركان القانونية لصحة نشر الأخبار، ولكن من الثابت أن القضاء الأردني قام بأعمال القواعد العامة لحرية الرأي والتعبير بشكل عام ولحرية الصحافة والإعلام ضمن الإطار الدستوري والتشريعات الأخرى ليحدد الأركان القانونية لنشر الأخبار، آخذا بعين الاعتبار الأحكام القانونية للحرية الشخصية والحياة الخاصة للمواطنين من زاوية، ومن زاوية أخرى الأحكام القانونية لحماية حقوق الدولة– بمكوناتها- كوطن له سيادة وعلاقاته الدبلوماسية وأسراره العسكرية ومصالحه الاقتصادية. اضافة اعلان
إن الموازنة بين حق الأردني في التعبير عن رأيه وحق الجمهور في المعرفة والاطلاع على الأخبار والمستجدات فيما يتعلق بشؤون البلاد الداخلية والخارجية وبين حماية حقوق الوطن والمواطن مسألة في غاية الحساسية، الأمر الذي دفع القضاء الأردني إلى وضع شروط وقواعد أساسية لصحة نشر الأخبار على أنواعها سياسية كانت أم اقتصادية أو اجتماعية.
وتجدر الإشارة في هذا المقام أن هناك نوعا معينا من الأخبار له الأحكام الخاصة به والتي حددها المشرّع الأردني بوضوح تام وهي تلك الأخبار المتعلقة بالتحقيقات التي تجريها النيابة العامة والأخبار المتعلقة بالمحاكمات والتي وردت حصرا في المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر النافذ وقانون انتهاك حرمة المحاكم النافذ.
وقد قرر القضاء أربعة شروط لإباحة نشر الأخبار تمثلت بالآتي:
أن تكون المعلومة (الواقعة) الواردة في الخبر صحيحة، وأن لا يكون الخبر من الأخبار المحظور نشرها بموجب القانون، وأن يكون له بعد اجتماعي، وأن يكون الناشر حَسن النية.
وستناقش هذه الورقة تلك الشروط تباعا، ومدعّمة ببعض التفصيلات والتطبيقات القضائية لبيان كيفية التعامل معها وكيفية السعي لتوفيرها.
أولا: صحة المعلومة:
من المعروف فقهيا أن هناك نوعين من الوقائع يستند عليهما القضاء لإباحة نشر الأخبار وحتى إباحة ممارسة حق النقد:
1 - وقائع أصبحت بالفعل في حوزة الجمهور بفعل أصحابها نتيجة عرضهم لها على الجمهور أو أصبحت كذلك نتيجة الشهرة التي استقرت بها الواقعة في البيئة العملية أو العامة على أنها واقعة مسلمة معروفة وتقدير هذه الصفة متروك بطبيعة الحال للقاضي. وعندئذ من الجائز إثبات هذا الاشتهار من قبل الناشر ويجوز للمحكمة استخلاصه أيضا من الوقائع والظروف المحيطة بالنشر ومن كافة البينات المقدمة في الدعوى.
2 - ووقائع لم تصبح بعد في حوزة الجمهور ولكن يكشفها الناشر ذاته وعندئذ وجب إثبات صحتها من قبل الناشر.
ولا تكفي القالة والإشاعة لجعل الواقعة ثابتة أو لصلاحيتها أساساً للنشر على أنه يوجد فيما يتعلق بصحة الواقعة درجات: فثمة واقعة ثبت كذبها وعلم الناشر بكذبها فالعقاب فيها واجب، وواقعة ثبت كذبها وشك الناشر في صحتها والعقاب فيها واجب كذلك، وواقعة ثبت كذبها وثبت اعتقاد الناشر صحتها. وواقعة لم يثبت كذبها ولا صحتها وثبت اعتقاد الناشر صحتها، وهاتان الحالتان تجوز التبرئة استثناء على أساس حسن النية.
وبخصوص صحة الواقعة أو الاعتقاد بصحتها من المفترض أن الناشر مخلص للمصلحة العامة وأنه يستهدف خدمة المجتمع، ويفترض ذلك أن نشاطه بعيد عن تزييف الحقائق وتشويهها: فهو لا يعرض إلا وقائع صحيحة، ويعرضها في نطاقها الصحيح و بصفاتها وظروفها الحقيقية، وهو بعد ذلك يعلق عليها التعليق الذي يؤمن بصحته وموضوعيته. أما إذا ابتدع وقائع، أو أدخل التشويه على وقائع حقيقية، أو ذكر تعليقاً عليها يعلم بزيفه وبعده عن الحياد والموضوعية، فهو مضلل للرأي العام، ولا يستطيع تبعاً لذلك أن يدعي أنه يأتي نشاطاً نافعاً للمجتمع.
ولكن الناشر قد يذكر واقعة غير صحيحة أو يعرض واقعة صحيحة في غير نطاقها أو صفاتها أو يذكر تعليقاً عليها إذا نظر إليه– وفقًا للمعايير الموضوعية- لتبين عدم دقته، فهل يعني ذلك حتمًا أنه قد جاوز حدود حقه في النشر؟ نعتقد أنه إذا ثبت أن الناشر كان يعتقد صحة الواقعة التي ذكرها، وكان ذلك الاعتقاد مستنداً إلى التحري الواجب على من كان في مثل ظروفه فإنه يستفيد من الإباحة. والحجة في ذلك أنه لا يمكن أن يطلب من ناشر أن يضمن في صورة مطلقة صحة ما ينشر، ففي حالات كثيرة يكون من العسير– بل ومن المستحيل- على الناشر أن يذكر واقعة لا يكون ثمة شك قط في صحتها. وإنما يكفيه أنه بذل ما في وسعه من دراسة وتحرٍ، وأعمل قدر ما استطاع فكره فتوصل إلى ثبوت واقعة فنشرها بنية حسنة حتى يصدق عليه أنه أدى واجباً تجاه المجتمع يستحق من أجله أن يباح له فعله ولا ينفي الإباحة أن يثبت فيما بعد عدم صحة الواقعة، فأساس الإباحة الاجتهاد في أداء خدمة اجتماعية، وهو ما ثبت تحققه. وتقدير ما إذا كان الناشر قد قام بالدراسة والتحري الواجبين على النحو الواجب من شأن قاضي الموضوع.
ثانيا: أن لا يكون الخبر من الأخبار المحظور نشرها:
الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد قيد عليها بنص قانوني، وهذا حال نشر الأخبار.
إذ أن الأصل يفترض أن جميع الأخبار مباح نشرها والاستثناء هو حظر نشر بعض الأخبار استنادا الى النصوص القانونية الواردة في التشريعات السارية.
وحقيقة يمكن إجمال الأخبار المحظور نشرها على النحو التالي:

  1. الأخبار التي تحتوي على معلومات سرية. فمن المعروف أن سرية المعلومات والوثائق لا بد أن يرد عليها نص قانوني يطبعها بطابع السرية ولا يكفي أن يقوم الموظف العمومي مهما كانت درجته الوظيفية بوصفها بأنها سرية أو مكتومة. اذ أن الأمر في النهأي يتعلق بقرار قاضي الموضوع الذي سيقرر بأن المعلومة أو الوثيقة سرية أم لا استنادا الى حكم القانون وليس الى رأي الموظف العمومي.
    ولكن ما هي تلك المعلومات السرية بحكم القانون؟ لقد بين قانون حماية أسرار ووثائق الدولة بشكل محدد تلك المعلومات السرية ودرجات سريتها على النحو التالي:
    لقد نصت المادة 3 من قانون حماية أسرار ووثائق الدولة على أنه:
    تصنف بدرجة (سري للغاية) أي أسرار أو وثيقة محمية إذا تضمنت الأمور التالية:
    أ. أي معلومات يؤدي إفشاء مضمونها لأشخاص لا تقتضي طبيعة عملهم الاطلاع عليها أو الاحتفاظ بها أو حيازتها، الى حدوث أضرار خطيرة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو إلى فائدة عظيمة لأي دولة أخرى من شأنها أن تشكل أو يحتمل أن تشكل خطراً على المملكة الأردنية الهاشمية.
    ب. خطط وتفصيلات العمليات الحربية أو إجراءات الأمن العام أو المخابرات العامة أو أي خطة ذات علاقة عامة بالعمليات الحربية أو اجراءات الأمن الداخلي سواء كانت اقتصادية إنتاجية أو تموينية أو عمرانية أو نقلية.
    ج. الوثائق السياسية المهمة جداً وذات الخطورة المتعلقة بالعلاقات الدولية والاتفاقيات أو المعاهدات وكل ما يتعلق بها من مباحثات ودراسات.
    د. المعلومات والوثائق المتعلقة بوسائل الاستخبارات العسكرية أو المخابرات العامة أو الاستخبارات المعاكسة أو مقاومة التجسس أو أي معلومات تؤثر على مصادر الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة أو المشتغلين فيها.
    هـ. المعلومات المهمة المتعلقة بالأسلحة والذخائر أو أي مصدر من مصادر القوة الدفاعية التي يشكل إفشاؤها خطراً على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي .
    كما ونصت المادة 6 من ذات القانون على أنه:
    تصنف بدرجة (سري) أي أسرار وثيقة محمية لم تكن من درجة (سري للغاية) إذا تضمنت المعلومات التالية:
    أ. أي معلومات مهمة يؤدي إفشاء مضمونها لأشخاص لا تقتضي طبيعة عملهم الاطلاع عليها الى تهديد سلامة الدولة أو تسبب أضرارا لمصالحها أو تكون ذات فائدة كبيرة لأي دولة أجنبية أو أي جهة أخرى.
    ب. أي معلومات عن مواقع تكديس المواد الدفاعية أو الاقتصادية أو المؤسسات الحيوية المتعلقة بمصادر القوة متى كان لها مساس بسلامة الدولة.
    ج. أي معلومات عن تحركات القوات المسلحة أو الأمن العام.
    د. أي معلومات عن أسلحة وقوات الدول العربية الشقيقة.
    وأخيرا نصت المادة 8 من القانون نفسه على أنه:
    تصنف بدرجة (محدود) أي معلومات أو وثائق محمية تتضمن معلومات تنطبق عليها الأوصاف التالية:
    أ. أي معلومات يؤدي إفشاؤها إلى أشخاص غير مصرح لهم بالاطلاع عليها الى أضرار بمصالح الدولة أو يشكل حرجاً لها أو تنجم عنه صعوبات ادارية أو اقتصادية للبلاد أو ذات نفع لدولة اجنبية أو أي جهة اخرى قد يعكس ضرراً على الدولة.
    ب. أي وثائق تتعلق بتحقيق اداري أو جزائي أو محاكمات أو عطاءات أو شؤون مالية أو اقتصادية عامة ما لم يكن افشاء مضمونها مسموحاً به.
    ج. تقارير الاستخبارات العسكرية ما لم تكن داخلة ضمن تصنيف آخر من درجة أعلى.
    د. التقارير التي من شأن إفشاء مضمونها إحداث تأثير سيئ على الروح المعنوية للمواطنين ما لم يؤذن بنشرها.
    هـ. موجات اللاسلكي العسكرية التابعة للقوات المسلحة والامن العام والمخابرات العامة أو أي سلطة حكومية أخرى.
    و. أي معلومات أو وثيقة محمية تضر بسمعة أي شخصية رسمية أو تمس هيبة الدولة.
    ويجب الإشارة هنا إلى أن التحقيقات التي تجريها النيابة العامة سرية ما لم تُجِزْ النيابة العامة ذاتها نشرها وهذا ما نصت عليه المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر النافذ.
    ثالثا: أن يكون الخبر بذاته له بعد اجتماعي:
    الأهمية الاجتماعية للواقعة شرط أساسي لإباحة النشر وإن كان من المسلم به أنه ليس ميدان الوظيفة العامة وحده هو ما يهم الناس فكثير من الميادين يتصل اتصالاً وثيقاً وحيوياً بحياة الناس ولا يتعلق بالوظيفة العامة أو شاغلها، ومن المعلوم أن هناك جانبا من حياة بعض الأفراد الخاصة لدلالاته وأثره على حياتهم العامة أو الوظيفية مما يكون من المفيد كشفه حماية للمجتمع. ويبقي تقدير الأهمية الاجتماعية للواقعة محل خلاف، فمن المعروف أن هناك من الوقائع ما يهم مجموع الجمهور قطعا مثل حالات فساد داخل السلطة التشريعية، أو سوء إنفاق داخل مؤسسات مالية، أو حتى السلوك الشخصي لكثير من قادة الرأي والفكر باعتبار أن السلوك الشخصي للشخص العام المسؤول لا ينفصل عن طريقة أدائه لعمله وينعكس في بعض الأحيان سلبا عليه، ولكن ماذا عن السلوك الشخصي لفنانة أو فنان، أو لاعب كرة، البعض يرى أن كل من يحب أن تتابعه الصحف لا بد وأن يتحمل نصيبه من متابعة الصحف ووسائل الإعلام. فهو والموظف العام سواء بسواء، والبعض الآخر يرى أن تصرفات هؤلاء ليس لها قيمة اجتماعية وأن الصحف ووسائل الإعلام تنشرها من باب النميمة.
    رابعا: حسن النية:
    إن النية والقصد أمر باطني يتوصل إليه قاضي الموضوع بناء على الظروف والملابسات التي تحيط بنشر الخبر وكامل وقائع الدعوى. بالإضافة إلى تلك الظروف والملابسات هناك أمر آخر يعتمد عليه قاضي الموضوع للوصول إلى نية وقصد الناشر. ألا وهو المادة الخبرية نفسها إما لأنها البينة الأساسية في الدعوى أو لأنها الواقعة الأساسية فيها وفي كلتا الحالتين فإنها تخضع لتقدير ووزن قاضي الموضوع بناء على استقراء (القراءة لعدة مرات وفقا لقواعد التفسير) مجمل لكلمات وجمل وعبارات المادة الخبرية وعنوانها ومتنها وليس مجرد قراءتها فقط. وطريقة عرضها والقوالب اللفظية التي حيكت بها جمل الخبر.