الإعدام بسبب المعتقد الديني

أصدرت محكمة الجنايات المتخصصة في صنعاء (إدارة الحوثيين) حكما بالإعدام على السيد حامد بن حيدرة بسبب عقيدته الدينية (البهائية)، علما بأنه مولود لوالدين بهائيين؛ هذا مع الاختلاف مع أحكام الردة المطبقة في كثير من الدول العربية والإسلامية؛ فإنها لا تعتبره مرتدا من ولد ونشأ في أسرة تؤمن بمعتقد ديني، فهو لم يغير دينه! وإنه من المحير أن اليمن الذي تطحنه الحروب والأوبئة  تجد الفئات المهيمنة فيه الوقت والفراغ لتلاحق مواطنا بسبب معتقده الديني!اضافة اعلان
قرار المحكمة شمل أيضا بالحظر المحافل والمؤسسات البهائية في اليمن، وهي سياسة مطابقة للاضطهاد ضد البهائيين في إيران، ويشير بيان الجامعة البهائية إلى أن حيدرة اعتقل منذ أربع سنوات، وتعرض للتعذيب والحرمان من أبسط حقوقه، ولم تقدم ضده أدلة موضوعية. كما يحتجز اليوم لدى الحوثيين المئات من المواطنين اليمنيين البهائيين ليس لسبب سوى معتقدهم الديني الذي ترفضه الجماعات المهيمنة على السلطة في إيران.
لم يعد متقبلا اليوم محاكمة أو محاسبة إنسان بسبب معتقداته وأفكاره الدينية أو السياسية أو الفلسفية، فلا يمكن إجبار إنسان على اعتقاد أو منعه منه، لأنها مسألة متعلقة بضمير الإنسان ووعيه التي لا تخضع لسلطة مادية، فالإنسان يفكر ويسأل ويبحث على نحو متواصل عن إجابات وأفكار، وهذا هو سرّ التقدم الإنساني.
بدأ البهائيون بالهجرة من إيران منذ ظهرت دعوتهم قبل مائة وخمسين عاما بسبب الملاحقة والاضطهاد الذي تعرضوا له، وكان اليمن من بلاد هجرتهم قبل أكثر من مائة سنة، كما هاجر بعضهم إلى الأردن، وقد اكتسبوا مواطنة البلاد التي هاجروا إليها، بل لم تعد الأجيال الجديدة تعرف بلدا لها سوى البلاد التي هاجر إليها أجدادهم، ولم يسجل عليهم انتهاك القوانين أو الاعتداء على القيم أو غيرهم من المواطنين، العكس فهم في الأردن يقدمون أنموذجا طيبا في المشاركة السلمية والإيجابية في العمل والتنمية، ولو ارتكبوا مخالفة في اليمن فلن تتردد الجماعات المهيمنة في تقديم أدلة ومعلومات لمحاسبتهم، طالما أنها تحاسبهم بأدلة وتهم زائفة!
إن أحكام الردّة التي تتبعها حكومات وجماعات في عالم العرب والمسلمين فتحت أبوابا للشرّ والحروب الأهلية والصراعات التي دمرت البلاد والعباد، ويكفي القول إن الجماعات الخارجة اليوم على بلادها ومجتمعاتها تستند في أفكارها وعملها إلى أحكام ومفاهيم الردّة، يقول طه العلواني، في كتابه (لا إكراه في الدين)، إنّه في مقابل مئتي آية في القرآن تؤكّد حريّة الإنسان في الاعتقاد، والدين، وحقيقة أنّ الرسول لم يقتل مرتدّاً؛ لأنّه ترك الإسلام، على الرغم من كثرة هؤلاء في سيرة الرسول، وأنّه لم يحاسب منافقاً، وهو يعلم المنافقين بأسمائهم، فلا يُعقل أن تنهى الرسول الآية القرآنية عن الصلاة عليهم، إلا أن يكون يعرفهم، وذلك بعدما صلّى على عبدالله بن أبيّ، وهو يعلم نفاقه، يحتجّ منفذو ومؤيدو عمليات الصلب، والتسلُّط، والتعذيب، باسم الدين، والخروج عليه، بحديث رواه البخاري ".. ومن بدّل دينه فاقتلوه".
ولكن لم يعد مقبولاً، اليوم، الاستمرار في التبرير، والتهرُّب من ضرورة رفض محاسبة أحد على معتقده، أو رأيه الديني، وحان الوقت لإعلان بطلان محاسبة، أو معاقبة، أو حرمان، أحد بسبب رأيه، أو موقفه الديني، وبالمناسبة فإن الدول العربية والإسلامية وإن كانت لا تعدم مرتدا، فإنها تطبق قوانين في الحياة اليومية في الزواج والطلاق والميراث والحضانة قائمة على الانتماء الديني أو تغيير الدين، ومن المنطق؛ بل إنّه يمكن القول: إنّه فقهٌ وتطبيق لم يأذن بهما الله، فالإيمان، والمحاسبة عليه، أمر متعلّق بضمير الإنسان، الذي لا سلطة لأحد عليه، ولا يُعقل أن يحاسب عليه أحد غير الله!