الإعفاءات الضريبية

الأصل في ضريبة الدخل أن تجبى، سواء من الأشخاص الطبيعيين (الناس) أو من الأشخاص المعنويين (الشركات)، والقدرة على جبايتها بفاعلية تجعل للإعفاءات في قانون الضريبة مَعنى ومغزى وأثراً على الأهداف المرجوة من وراء تلك الإعفاءات، أما إذا كان التحصيل متراخياً، والقدرة على النفاذ خلال ثغرات القانون من قبل المكلفين سهلة، فإن الإعفاءات تتحول الى هبات مجانية تقدمها الحكومة بلا غاية ولا هدف.

اضافة اعلان

وهنالك مثلاً إعفاءات واردة بقصد الإنفاق على البحث العلمي، من دون أن يكون هنالك إنفاق واضح على ما يشمله لفظ "البحث العلمي" من بنود واضحة قابلة للإعفاء.

وصارت أي دراسة سواء كانت لجدوى اقتصادية لمشروع، أو فحص تربة في موقع ما، أو حتى أحياناً مخططات هندسية تقدم على أنها دراسة علمية أو بحث جديد يستحق أن يشمل بالإعفاء.

ولذلك، لم نحرز الغاية المرجوة من وراء هذا الدعم. والمطلوب ليس تحديد الجهات المؤهلة بالبحث، بل لا بد من وجود جهة مرجعية لدى وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا تقوم بإصدار حكم على مشروع دراسة بأنه بحث علمي جدير بالإعفاء الضريبي، وإذا ضبطت هذه المسألة، فإن فتح سقف التمويل للبحوث يجب أن يصبح القاعدة ولو وصل الى عشرة في المائة من مجموع الدخول الخاضعة للضريبة.

وكذلك كنا شملنا في قانون الضريبة على الدخل والأرباح إعفاءات على التدريب وإعداد الكوادر البشرية. ولكن الغموض الذي يحيط بهذا الأمر، تماماً كما في حالة البحث، لم يسفر عن النتائج التي توخاها المشرع من وراء ذلك الإعفاء.

والإعفاءات الضريبية المقصود منها تحفيز جانب مهم في تطوير الاقتصاد ومواجهة مشاكله، هي في ذاتها إعلان نوايا من قبل الحكومة عن عزمها مشاركة القطاع الخاص أو القطاع المدني في جهوده لدفع هذه الجوانب.

فعندما تكون شركة خاضعة الى 15 % ضريبة، فإن حصولها على إعفاء مقابل دعم بحث علمي يعني أن خزينة الدولة ساهمت بنسبة 15 % من ذلك الجهد. وهلم جرا.

أما الإعفاءات التي توضع في القانون فهي في الحقيقة أدت الى فتح باب مجاني للإخلال بالمقصود من فلسفة ضريبة الدخل بحد ذاتها. فهذه الاعفاءات توفر فرصة جيدة لأصحاب الشركات الكبيرة، والمداخيل المرتفعة، ومن القادرين على استخدام استشارات قانونية وضريبية ومحاسبية لكي يتهربوا من دفع الضرائب بطريقة لا تطالهم أمام القانون.

ولهذا تحولت الاعفاءات الى منح حكومية للقادرين، ما حول تحصيل الضرائب الى آلية للإساءة الى توزيع الدخل بدلاً من تصويبه.

وفي دراسة أعدتها مجلة "الايكونوست" البريطانية قبل عقدين من الزمان، ونشرت على ثلاث حلقات أسبوعية، بينت بما لا يقبل الجدل أن الإعفاءات غير المروسة تحول ضريبة الدخل من ضريبة تصاعدية تأخذ من الأغنياء أكثر من الفقراء الى ضريبة تنازلية تعاقب الفقراء وتُثيبُ الأغنياء.

ويحصل هذا حتى في الدول الأغنى، وحيث دوائر الضريبة تتمتع بهيبة وتدخل الرهبة على قلب كل من يَسوقُهُ سوء طالعه في طريقهم لكي يخضع للتدقيق، ولو من باب الصدفة الاحصائية المحضة. فما بالك في الدول النامية حيث تسعى دوائر الضريبة لبناء هيبتها وسط أكوام من العادات الاجتماعية المناوئة، والوسائط وغياب الرغبة في تطبيق القانون بعدالة.

الاعفاءات ضرورية لبناء المجتمع، وتعزيز المشاركة بين القطاعين العام والخاص ولكن بموجب الاحترام المتبادل.