الإعلام.. على مقاس من؟

محمود خطاطبة قد يُفهم أمر العامة بأنهم يريدون إعلامًا حُرًا، نزيهًا، شفافًا، يُغطي مناحي الحياة كافة وقضاياها على مُختلف أنواعها، فضلًا عن الأزمات وقت حدوثها، أيا كانت، بُكل حيادية ومصداقية.. لكن ما لا يُقبل ولا يُفهم بأن يكون هُناك بعض المسؤولين الذين يضعون اللوم على وسائل الإعلام والصحافة، بأنواعها المُختلفة في تغطية ذلك كُله. القسم الأخير، أقصد بعض المسؤولين، كأن لسان حاله يُشير، بطريقة أو أُخرى، إلى أنه يُريد إعلامًا على مقاسه، وحسب مزاجه، يُسلط الضوء على أفكاره وطروحاته، وحتى شخصه؛ أي يُريد تسليط الضوء عليه وعلى أفعاله فقط، والتي يُريد أن يُقنع بها الرأي العام بأنها الخلاص لكل المُشكلات والمُعضلات التي تضرب الوطن. قُبيل أيام، خرج الرئيس السابق للهيئة المُستقلة للانتخاب، العين خالد الكلالدة، في تصريح مُتلفز، مُطالبًا الإعلام بـ”عدم إخفاء أي نقطة من الحوارات التي تدور، حتى لا يكون هُناك مجال للإشاعات”، مُضيفاً “لو كان الإعلام يُغطي كُل ما يجري لما لجأ الناس لمنصات قد تكون حرفت تفكيرهم وزورت الحقائق”. وللموضوعية والأمانة المهنية، أقول إن الإعلام والصحافة في الأزمة الأخيرة التي مرت بها البلاد، لم يكونا موجودين أو كانا شبه مُغيبين، إلا ما رحم ربي، كما أن هُناك منصات تضع السم في الدسم، ولها مآرب شيطانية.. لكن يبدو أن سعادة الكلالدة نسي أو تناسى بأن الإعلام كان في كُل الأوقات موجودًا، ويقوم بتأدية دوره على أكمل وجه، بعيدًا عن أجندات مشبوهة، أو مُحاباة مُتعمدة لأي شخص أو جهة كانت. وخير دليل على ذلك، ما قام به الإعلام في تغطية الكثير من الأحداث والقضايا والأزمات التي وقعت على أرض الأردن الطاهر، إضافة إلى تغطيته الاعتصامات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية كافة، همه الأول والأخير كان مصلحة البلد والمواطن، وإيصال الرسائل التي وجد من أجلها، وطرح الرأي والرأي الآخر. هُناك أشخاص ومسؤولون يُريدون إعلامًا وصحافة على “المقاس”، مقاس شخصهم فقط، “يُطبل”، و”يُزمر”، ويُسلط الضوء فقط على أفكارهم وطروحاتهم وانتقاداتهم.. الإعلام، يا سعادة العين، كان دومًا يقوم بدوره، وحتى لا ينسى من على أعينهم غشاوة أقول: ألا تذكرون الاعتصامات التي نُفذت على ميدان جمال عبدالناصر (الداخلية) في عمان، إبان ما يُسمى بـ”الربيع العربي”؟ كان الإعلام، حينها، يقوم بمهامه وواجباته وبمُنتهى الحيادية، وينشر الشعارات والهُتافات، التي تجاوزت الخطوط الحمراء كُلها، مع العلم بأن السواد الأعظم من الشعب الأردني لم يكن راضيًا عنها أبدًا.. تلك شعارات وهُتافات كانت “تُدغدغ” عواطف أُناس أبرياء وثقوا في فترة من الفترات بأصحابها. يتناسون بأن الإعلام كان ينشر مقالات وخطابات كاملة لشخصيات سياسية ونيابية، وصل بعضها إلى أعلى المناصب.. خطابات كانت موجهة إلى الشارع، ظاهرها مصلحة الوطن والمواطن، بينما باطنها كان هدفه تحقيق مكاسب شخصية، بعيدًا عن أي انتماء وحُب وإخلاص للبلد، وما يعانيه. تلك الخطابات والمقالات، كانت تتصدر وسائل الإعلام المُختلفة.. وليس ذنب الأخيرة أنها وضعت ثقتها بأصحاب تلك الأقاويل أو الأفكار، علمًا بأنه ليس من مهام الإعلام، الكشف عما يدور في صدور أُناس كانوا يُتقنون فن “اللف والدوران”، و”الرقص” على أوجاع وآلام المواطن. مُهمة وسائل الإعلام، تكمُن في نقل الخبر والحقيقة قدر المُستطاع، وليس من مهامها أبدًا الكشف عما يُضمره أُناس، كانوا وما يزالون، والظاهر أنهم سيبقون، يسعون إلى “دغدغة” عواطف البشر فقط، بُغية تحقيق منافع شخصية!. المقال السابق للكاتب  لماذا الخوف من الشفافية؟اضافة اعلان