الإعلان والتعليم في المدارس الأميركية

حسني عايش الكوربوريشن (Corporation) شكل من تنظيم العمل (البزنس) «يملكه المساهمون دون أن يكون لهم الحق في إدارته، وإنما يديره مجلس من المديرين الذين ينتخبونهم» (ليس لها مقابل في اللغة العربية) . يرى مفكرون وعلماء وخبراء أميركيون أن الكوربوريشن هي المؤسسة المركزية في أميركا اليوم، بل إنها عاصمة أميركا وليس واشنطن، لأنها تخترق جميع أبعاد الحياة الأميركية، وتجعل قيم البزنس هي قيم الأميركي ومرجعه. ينتقد المفكرون الاجتماعيون هذا التبني الأعمى لِخُلق البزنس هذا، ويعتبرونه تشويهاً خطيراً للأولويات الأميركية، كما يتجلى في الإعلانات التجارية والتسوق اللذين طالا أعمق أعاميق النسيج الاجتماعي الأميركي فلا يستطيع الانفكاك منهما. ومن ذلك – مثلاً – أن الشخصية الكرتوينة التي يشاهدها الأطفال في صباحات أيام السبت يجدونها متوافرة للبيع في الدكان المجاور، والعروض والأفلام التي تبث في ساعات الذروة يجدون المنتج / الماركة المعلن عنها في أثنائها في السوق المجاور. وكل هذا يحدث ليس بفعل الصدفة، ولكن يبدو أن لا أحد يهتم. يصبح الناس في مجتمع مشبع بالإعلانات التجارية مستعدين لدفع مبلغ إضافي فوق ثمن القميص أو التي شيرت (T. shirt) المزين بالماركة (Brand) أو بشعار الشركة (Logo) وبذلك لا يلبس كل واحد من الناس قميصاً (تي تشيرت) وإنما يحمل رسالة تجارية، « وهو انتصار للبائع المتجول الخسيس». والكارثة اقتحام الإعلان للمدرسة، ففي أثناء الفزع الذي أصاب الناس من تدني مستوى التعليم العام، تقدم المجتمع الكوربوراتي لاستغلاله بحجة دعم المدرسة مالياً وبخاصة إذا كانت محتاجة إلى المال. صار بعضها يبيع مساحات للإعلان على باصاتها أيضاً، أو يستقبل هدايا على شكل مواد تعليمية تحمل رسالتين: رسالة تعليمية ورسالة تجارية. وهكذا دخلت المدارس في سباق أو تنافس على جذب الإعلانات لتحصل على النقود. ولكن دخول المصالح التجارية المدرسة يشجع على الشك في صحة التعليم، ويحول التلاميذ إلى محصول نقدي، ويدمج الأهداف التربوية في الأهداف التجارية. في حينه عبر الأستاذ دنيس كولنيز عن وجهة النظر الناقدة لهذا التطور بقوله: إن البزنس يفسد عملية التعلّم بدءاً من حياة المتعلم. فالدعاية في أثناء العروض الخاصة بالأطفال تُكّوِن عقلاً لا يشجع على التعلم وإنما على الإشباع الفوري (الحصول السريع على السلعة). إن عقل الشخص الحالم بالسلعة في نظر المعلن، مثل حبة البطاطا، وبدلاً من التعلم من خلال كتاب يتم التعليم بالترفيه، وأبطال الأطفال ليس العلماء أو المخترعين أو المستثمرين، بل هم رياضيون أثرياء وترفيهيون. وهكذا أخذت عقلية البزنس تسيطر على التعليم من الروضة وحتى التعليم الجامعي، ولأن فرص العمل أقل من طالبيها صار الطلبة وذووهم يطالبون بسرعة امتلاك المهارات في المحاسبة أو الإدارة، أو التسويق ليعملوا، بدلاً من إغناء العقل بمواد التعليم الغامضة كالتاريخ والآداب والفنون والفلسفة. وبهذا التحول صار الخريجون لا يختلفون عن منتجات المصنع الآلية. صار الخريجون سطحيين يتخرجون في المدرسة والجامعة مسرعين وآملين بدخول سوق العمل الكوربوراتي، وكأن كلا منهم يعتقد أنه سيسعد بذلك، مع أنه سيحصل على وجود فارغ وفقير في كل جانب من جوانب نفسه، وهاجر للتفكير والتساؤل والمحبة التي لا قيمة لها في دولة الكوربوريشن والإنتاج والإستهلاك. إن إعداد المرء للقيام بدور المستهلك له دلالة في فقدان الذات. إنه تهديد لجودة الحياة. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان