الإنكار يبعدنا عن تطوير الحلول الفعالة

أحمد عوض نصاب بخيبات أمل عندما نستمع لبعض المسؤولين الحكوميين حين لا يقرون بأن هنالك مشكلات وتحديات نواجهها، وأن الأمور تسير على ما يرام، وبالتالي لا حاجة لاجتراح الحلول. بدايات تطوير حلول للمشكلات والتحديات في مختلف المجالات تبدأ بالاعتراف بها، والوقوف على تفاصيلها وأسبابها المباشرة وغير المباشرة. أقول ذلك، بعد إعلان أحد كبار مسؤولي ملف سوق العمل والبطالة في الأردن، أن سوق العمل لم يخسر وظائف خلال العامين الماضيين جراء جائحة كورونا، بل أكد أن سجلات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي تفيد بأن عدد مشتركي المؤسسة ازداد. ليس هذا فقط، بل أكد أنه لا يوجد انتهاكات عمالية في سوق العمل، وأن ما نشهده ليس أكثر من مخالفات لقانون العمل، وعلى المتضررين من هذه المخالفات اللجوء إلى القضاء، أو تقديم شكوى لوزارة العمل. وفوق ذلك نجد التشكيك في أي مؤشرات كمية أو نوعية تصف حدة المشكلات التي نعاني منها في الأردن، أنتجتها مؤسسات رسمية أو غير رسمية، وهكذا نكون نستمع لأنفسنا فقط! المشكلة أن بعض مسؤولينا الرسميين يعتقدون أنهم ومؤسساتهم يقومون بواجباتهم على أكمل وجه، وأن أداءهم "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، ولو كان الحال هكذا، لكانت أحوالنا أفضل مما نحن عليه بكثير. بقي أن نؤكد أن سوق العمل الأردني فقد ما يقارب 140 ألف وظيفة خلال النصف الأول من عام 2020، حسب مختلف التقديرات التي أجرتها المنظمات الدولية ومراكز بحث محلية، وهذا الرقم يعكس سوقي العمل المنظم وغير المنظم. بعد ذلك بدأت القطاعات الاقتصادية بالعودة التدريجية للعمل، ولكن هنالك مئات المنشآت التي أغلقت حتى الآن. وهذا ما أكدته، وتؤكده، أرقام دائرة الإحصاءات العامة، إذ ارتفعت معدلات البطالة من 19 بالمائة في نهاية عام 2019 الى 25 بالمائة خلال الربع الأول من عام 2021، قبل أن تتراجع وتصل الى 23.2 بالمائة خلال الربع الثالث من عام 2021، هذه الفروقات، وحدها، تثبت أن سوق العمل خسر عشرات الآلاف من الوظائف. أعداد مشتركي المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لا يمكن لها أن تعكس زيادة في أعداد المشتغلين في سوق العمل، بل تعكس أعداد المشتغلين بشكل منظم، ونحن جميعا نعلم أن ما يقارب 48 بالمائة من القوى العاملة غير منظمة، وغير مسجلة في الضمان الاجتماعي لأسباب عديدة، منها تقصير المؤسسات الرسمية في إنفاذ القانون. أما التعامل مع ما يجري في سوق العمل من انتهاكات مثل الأجور التي تقل عن الحد الأدنى لها، وتأخير استلامها لأسابيع وأشهر، والعمل لأكثر من 48 ساعة أسبوعيا، وحرمان قطاعات واسعة من العاملين من الإجازات السنوية والمرضية والرسمية، فهي ليست فقط مخالفات لنصوص القانون، بل هي انتهاكات لحقوق أساسية لهم ولهن، وتشكل ظاهرة تتفاقم يوما بعد آخر، ولا يحلها بالتأكيد تقديم شكاوى لوزارة العمل ولا رفع دعاوى قضائية على أهمية ذلك. على مثل هؤلاء المسؤولين أن ينزلوا من الفضاء، ويفحصوا ما يجري على أرض الواقع، ليدركوا أن ما يجري في سوق العمل خطير وخطير جدا، وعليهم الاعتراف بذلك ليتمكنوا من تطوير حلول لهذه المشكلات الكبيرة، وخلاف ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان