الاتحادات الشعبية.. فرصة فلسطينية سانحة

بانتهاء حلقة من أزمة قضية المعلمين الفلسطينيين، وقبل أن تتجدد الأزمة، هناك شق وطني تمثيلي يتعلق باتحاد المعلمين الفلسطينيين يمكن العمل على معالجته، بما يخدم، أولا، قضية إصلاح مؤسسات العمل الوطني الفلسطيني عموما، ويحمي من أزمة معلمين جديدة، هناك مؤشرات أنها ستتجدد بسرعة. اضافة اعلان
يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تستغل الموقف إيجابيا. ويمكن أيضاً للمجتمع المدني أن يبادر إلى ذلك.
من أهم معالم الأزمة التي تمثلت في إضراب طويل (نحو شهر)، ونزول عشرات آلاف المعلمين والمعلمات للشارع، هو أنها أظهرت حجم أزمة التمثيل في المؤسسات الفلسطينية؛ بدءا من المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس التشريعي، وصولا إلى الاتحادات الشعبية والنقابات.
ولما كانت عضوية المجلس الوطني الفلسطيني تتشكل، إلى حد كبير، من خلال الاتحادات المهنية والشعبية والنقابية (كالطلبة، والعمال، والمرأة، والمهندسين، والأطباء، والمعلمين... إلخ)، فإنّ تجديد ممثلي هذه الاتحادات يجدد المجلس الوطني تلقائيا، بعيداً عن المحاصصة الفصائلية.
تتذرع الأطراف القائمة على هذه الهيئات، خصوصاً داخل حركة "فتح"، بأنّ تجديد الانتخابات والمؤتمرات لهذه الهيئات صعب جدا بسبب ظروف الشتات والانقسام. والصحيح أنّ التغلب على الصعوبات أمر ممكن بوسائل عديدة، إذا وُجدت إرادة لذلك.
بإمكان المجتمع المدني؛ من هيئات حقوق إنسان وجمعيات وإعلام ومثقفين، الضغط لتجديد هذه الاتحادات، لأنها ببساطة تُدخل قوى المجتمع الفلسطيني الحي لعمليات التمثيل، بعيدا عن رغبة حركتي "حماس" و"فتح" اقتسام التمثيل، وتعديل الأنظمة الانتخابية (إذا وصلتا يوماً إلى مرحلة الانتخاب) على أساس القائمة النسبية، بحيث لا يكون هناك ترشيح إلا ضمن قوائم فصائلية. كما على الفصائل (لاسيما "فتح" في الضفة و"حماس" في غزة) تسهيل انتخاب هذه الهيئات. وليكن اتحاد المعلمين هو البداية، فضلا عن وضع نظام لعضوية الاتحاد في الشتات.
ولنفترض سيناريو ترفض فيه "حماس" السماح بالانتخابات في غزة (كما تمنع انتخابات أخرى؛ مثل مجالس واتحادات الطلبة المعطلة هناك منذ الانقسام، بعكس الضفة الغربية حيث تجري الانتخابات في أغلب المواقع)؛ فإنّه يمكن المضي بالانتخابات في أماكن أخرى بالتدريج، وإعلان موعد في غزة، وتحميل حركة "حماس" مسؤولية تعطيل تجديد مؤسسات العمل الفلسطيني، وطبعاً هذا بعد استنفاد فرص الحوار والنقاش حول هذا الموضوع مع "حماس"، باعتبارها سلطة الأمر الواقع (والشريك) في غزة.
إنّ الضغط الشعبي الذي شكلته قضية المعلمين لم يمثل فقط قضية ضاغطة وأزمة كبرى لا بد من العمل على عدم تكرارها (رغم أنّ تصريحات قيادات حراك المعلمين تشير لاحتمال تجدد الإضراب سريعاً جداً إذا لم تبدأ الحكومة تنفيذ الاتفاقات). ولكن القضية تمثل فرصة لأي طرف للضغط باتجاه تجديد اتحاد المعلمين، وباقي الاتحادات.
في تاريخ العمل السياسي ظاهرة معروفة، وهي أنّه عندما تشح الموارد ولا يمكن تلبية حاجات المواطنين، يلجأ بعض السياسيين الحكماء للتجديد الديمقراطي؛ بإجراء انتخابات وفتح فرص لدماء جديدة، وقيادات صاعدة، للمساهمة في العمل الرسمي، وذلك لأسباب منها: أولا، إشراك أكبر قاعدة شعبية ممكنة في تحمّل الأعباء وإتاحة الفرصة للأفكار الخلاقة والطاقات الجديدة لإيجاد حلول للمشكلات. وثانيا، حتى لا يبقى المحتجون بعيدين عن التفاصيل وغائبين عن صعوبات الواقع، وليصبحوا هم من يلمسونها ويواجهونها مع القيادة السياسية، فإما أن ينجحوا في التوصل إلى حلول، أو يتفهموا الواقع ومحدودية الموارد.
سيكون فشل الحكومة الفلسطينية في تنفيذ الاتفاقيات مؤشرا خطرا على مدى جدوى استمرار السلطة الفلسطينية، وسيكون عدم تجديد اتحاد المعلمين مؤشرا على تكلّس مميت للحياة السياسية الفلسطينية، ومنظمة التحرير.
يمكن للمجتمع المدني أن يضع تصورات عملية، وأن يضغط بشكل كبير لتجديد مؤسسات العمل الشعبي والنقابي. ويمكن، مثلا، البدء بعقد مؤتمرات واجتماعات وندوات للفئات الشعبية المختلفة، مثل العمال والمعلمين والأطباء والطلبة وغيرهم، تخرج عنها أولا مطالبات وتصورات واضحة لكيفية إعادة ضخ الدماء في هذه الهيئات. وثانيا، برامج لإعادة تفعيل المؤسسات المختلفة، بتنفيذ برامج خدمية وتدريبية وتطويرية موحدة لكل الفلسطينيين، وبإعادة التواصل مع الاتحادات والهيئات العربية الشعبية المشابهة، وكل ذلك تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.