الاتحادات العربية تخالف "نبض الشارع" و"تبيع" أصواتها بثمن بخس

الأمير علي بن الحسين ورئيس الاتحاد الاوروبي ميشال بلاتيني في حديث بعد الانتخابات - (رويترز)
الأمير علي بن الحسين ورئيس الاتحاد الاوروبي ميشال بلاتيني في حديث بعد الانتخابات - (رويترز)

تيسير محمود العميري

عمان - شكلت كلمات الرياضي الاول جلالة الملك عبدالله الثاني والموجهة لسمو الأمير علي بن الحسين، عقب فوز جوزيف بلاتر برئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" اول من أمس، وسام شرف زين صدر الأمير علي بن الحسين والأردنيين جميعا.اضافة اعلان
وقال جلالته في الرسالة التي نشرت مساء الجمعة على صفحة الديوان الملكي على موقع فيسبوك "عرفتك يا أخي العزيز، سمو الأمير علي، فارسا هاشميا حريصا على أداء الواجب، وتحمّل المسؤولية في شتى المجالات. ولقد تابعت ما بذلته من جهود خلال حملتك الانتخابية، ومدى التزامك بالعمل الجاد والدؤوب لإحداث نقلة نوعية في رياضة كرة القدم العالمية".
واضافت الرسالة "إن خوضك غمار المنافسة بهذه القوة هو مصدر فخر واعتزاز أردني وعربي ودولي، كما أنه دليل على حرصك على تطوير هذه الرياضة الجماهيرية".
ليلة حزينة
الأردنيون ومعظم العرب الشرفاء أمضوا ليلة حزينة بعد أن فاز بلاتر بالانتخابات بواقع 133 صوتا مقابل 73 صوتا للأمير علي، الذي فضّل الانسحاب قبل اجراء الجولة الثانية، ذلك أن "سقف التوقعات" كان مرتفعا، كما كان الرهان كبيرا على اولئك الذين يرغبون بالتغيير وتخليص "فيفا" من سيطرة "العجوز بلاتر" وزمرته.
أسئلة متعددة
بيد أن ثمة أسئلة لاحت في الافق بعد انتهاء الانتخابات.. هل كان يتوقع فوز بلاتر بهذه النتيجة؟.. هل ما حصل عليه الأمير علي بن الحسين من أصوات يفوق او يقل عن عدد الاصوات المتوقعة؟.. هل كان موقف الاتحادات العربية ايجابيا ام سلبيا؟... من هي الدول العربية والاجنبية التي صوتت او لم تصوت للأمير علي؟.. لماذا هذه الفرحة الكبيرة التي عبرت عنها شخصيات عربية تجاه فوز بلاتر؟... لماذا ساندت القارة الاوروبية الأمير علي فيما تخلت قارتا آسيا وأفريقيا عن ذلك؟.. ما هي الرؤية المستقبلية؟... وربما غيرها الكثير من الاسئلة التي جالت في أذهان الأردنيين والعرب والمتابعين لانتخابات "فيفا".
الصوت العربي
لعل آلية اجراء الانتخابات "التصويت بالاقتراع السري عبر الورق وليس الكترونيا"، يجعل من الصعوبة بمكان معرفة من صوت او لم يصوت للأمير علي.. بعض الاتحادات جاهرت في موقفها مسبقا، واخرى كتمت خيارها تحسبا من ردات الفعل اللاحقة، وثالثة "لعبت على الحبلين" ولم تكن صادقة في وعودها.
ولنعترف أن الاصوات العربية وحدها لا يمكنها أن تمنح الفوز للأمير علي، لأن عددها قد يصل إلى 23 صوتا على الاكثر، فيما يبلغ عدد اصوات الجمعية العمومية 209 أصوات شارك 206 منهم في التصويت لاحد المرشحين.
لكن الصوت العربي كان مطلوبا إلى جانب الأمير علي، لأن له تأثير معنوي وواقعي على حصيلة الاصوات، ويمكن اعتباره صوتا مضاعفا "مجازا" لأنه مُنح لبلاتر وحرم الأمير علي منه.
ردود افعال
ردود الافعال خرج بعض منها عن سياقه، لاسيما فيما يتعلق بتصويت رئيس الاتحاد الفلسطيني جبريل الرجوب لصالح حليفه بلاتر، ومن ثم "رقصه بالسيف" مع "عربان" آخرين عقب اعلان النتائج.
ربما كان العتب كبيرا على الرجوب عندما خذل الفلسطينيين قبل الأردنيين وانحاز لبلاتر، لكن الرجوب لم ولن يكون "فلسطين"، ولم يكن الصوت الفلسطيني عامل حسم، فهو احد 60 صوتا شكلت الفارق بين بلاتر والأمير علي، كما أنه احد معظم الاصوات العربية التي لم تؤيد الأمير علي!.
صورة مخزية
الصورة العربية مخزية.. قبل وبعد الانتخابات... مجاهرة في تأييد بلاتر من دون الالتفات إلى أن المنافس الآخر لبلاتر هو أمير عربي وهاشمي لا يحتاج إلى منصب او جاه يرفع من مقامه، بل هو شخصية رياضية خلوقة تتمتع بالتواضع وجمعت بين الشباب والخبرة، وامتلكت برنامجا مثاليا لاصلاح "فيفا" قبل أن يستفحل الداء في جسد الاتحاد الدولي، ويصبح الدواء غير نافع مطلقا.
"عربان".. تخلوا عن عروبتهم واداروا ظهورهم لابناء جلدتهم، ربما غيرة وحسدا وربما طمعا في مكاسب شخصية لا يمكن أن يحصلوا عليها فيما لو ترأس "فيفا" شخصية نظيفة مثل الأمير علي.
باختصار.. باع كثير من العرب شرفهم وذمتهم بـ"دراهم معدودة"، واصروا على أن يكونوا "نقطة سوداء" توسخ الثوب العربي الاصيل.
لكن هل من مبرر أيضا للآسيويين والافارقة الذي يشكلون نحو نصف اعضاء الجمعة العمومية "100 صوت منها 54 في افريقيا و46 في آسيا"، أن تصب الاكثرية منهم ترشيحاتها لصالح بلاتر؟.
عتب على الآسيويين
العتب أكبر على الآسيويين، فالأمير علي "منهم وفيهم" وعلى مدار أربع سنوات من العمل في منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي عن القارة الآسيوية، لم يأل الأمير جهدا في جني مكاسب عديدة لتلك القارة المظلومة.. لم يترك قضية تهم الشباب والفتيات ومستقبل الكرة الآسيوية الا وتبناها ودافع عنها بشراسة.. بالفعل كان ذلك "جزاء سنمار"!.
الفاسدون لا يحبون الا الفاسدين
كانت ثمة مؤشرات واضحة وملموسة في وقت سابق ولاحت في الافق مرارا، وأشارت إلى أن ثمة عمل دؤوب في الاتحادين الآسيوي والافريقي، لافشال مسعى الأمير علي في الوصول إلى رئاسة الفيفا.. الفاسدون لا يحبون الا الفاسدين.. خرجت الاعلانات المبكرة والتبريرات الكاذبة لتجميل صورة الحشد خلف بلاتر.. لم يسمحوا للأمير علي حتى أن يتحدث في الجمعيتين العموميتين للاتحادين.. العتب كان اكبر على رئيس الاتحاد الآسيوي سلمان بن ابراهيم، فالأمير علي ليس مرشحا من قارة أميركا الجنوبية مثلا، ويا للعار.. الاوروبيون يدعمون الأمير علي بكل قوة ويثنون على برنامجه الانتخابي، وآخرون "يحاربونه" من دون هوادة، وحتى من دون أن يقرأوا سطرا واحدا من برنامجه الانتخابي.
هي المصالح الضيقة.. احمد الفهد يريد رئاسة "فيفا" بعد بلاتر "في العام 2019"، وثمة صفقة معلنة بين الطرفين، ورئيس الاتحاد الآسيوي اراد أن يجمع بين المنصبين "رئيس الاتحاد الآسيوي ونائب رئيس فيفا"، فحشد اصواتا كافية في الجمعية العمومية قبيل مونديال البرازيل 2014، وكان ذلك مؤشرا واضحا أن آسيا شبه موحدة ضد الأمير علي بفضل هذين الشخصين.
اصوات اوروبية ضائعة
على الجانب الآخر وإن كان الدعم الاكبر الذي حصل عليه الأمير علي من قارة اوروبا، الا أن اصواتا اوروبية لا بأس بها انحازت لبلاتر.. روسيا عملت مع جيرانها على دعم "العجوز" خوفا على مصير "مونديال روسيا 2018"، ولم يستطع الفرنسي بلاتيني اقناع الاتحاد الفرنسي بالتصويت للأمير، فذهبت بعض الاصوات، التي لو تكاتفت مع الاصوات العربية والآسيوية والافريقية المهدورة، لكان بلاتر خارج "فيفا"، لكنه للاسف سيجثم على صدرها مرة خامسة لأربع سنوات مقبلة ما لم يرد الله غير ذلك.
خسارة انتخابات "فيفا" لا تعني النهاية، لكنها كشفت الوجه القبيح لبعض "العربان" إن لم تكن قد كشفت عن "عوراتهم" امام شعوبهم، التي كانت تتمنى أن يرأس "فيفا" شخصية عربية للمرة الاولى، بيد أن اولئك "العربان" ارادوا للصوت العربي أن يباع في سوق النخاسة.
يقال بأن الاتحاد الاسرائيلي صوت للأمير علي "لست متأكدا من ذلك"، فهل تكون اسرائيل باجرامها وعنصريتها افضل من بعض العربان؟... يا للعار.   

[email protected]