الاتفاق النووي وحروب إيران العربية

باستثناء ممارسة ضغط فاعل على إيران والدول الكبرى ذات التأثير في المنطقة، لا يبدو من مبرر منطقي آخر لحالة الذعر العربي -ونقيضها طبعاً استعلاء طهران وإظهار الثقة المفرطة بالنفس- عقب اتفاق فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني. بل ليس مبالغة أبداً القول إن حصاد إيران لثمار هذا الاتفاق إنما يتوقف، بشكل رئيس وحاسم، على مبادرتها إلى إقامة علاقات أفضل مع جوارها العربي خصوصاً.اضافة اعلان
السؤال التلقائي المطروح اليوم، هو: بأي اتجاه، وإلى أي درجة، ستكون إيران ما بعد اتفاق فيينا مختلفة عن إيران ما قبل الاتفاق؟ لكن في الإجابة عربياً عن السؤال، لا تحضر عموماً حقيقة حاكمة في الإجابة عن هذا السؤال، وهي أن إيران ما بعد "الربيع العربي" ليست إيران ما قبله؛ بشكل لا يخدمها أبداً، ويحرمها من حصد مكاسب الانفتاح على المجتمع الدولي اليوم.
فقبل "الربيع العربي"، كانت إيران بحق هي القوة المهيمنة في العالم العربي، من خلال حلفائها وأتباعها الذين استغلوا القضية الفلسطينية بما يخدم المصالح الإيرانية على الوجه الأمثل، لا ينافسها في ذلك إلا تركيا أردوغان. أما بعد "الربيع"، وحتى قبل الاتفاق مع "الشيطان الأكبر"، فقد تحولت إيران إلى قوة احتلال تتباهى هي ذاتها بذلك، أو أقلها عرابة قتل المدنيين في العراق وسورية على يد الأنظمة والمليشيات الطائفية الممولة منها والخاضعة لإشرافها، ودعم رموز الاستبداد والفساد في العالم العربي، كما هو واقع التحالف مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
لكن الأهم من هذه الخسارة المعنوية، وبما يعتبر وثيق الصلة بثمار اتفاق فيينا على المستوى الإيراني الداخلي، هو حجم الأموال التي تضخها إيران لأتباعها في المنطقة. ففي سورية وحدها، كما ينقل الكاتب إلي ليك من موقع "بلومبيرغ"، فإن أقل التقديرات، والصادرة عن الناطقة باسم مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي مستورا، بداية الشهر الماضي، تذهب إلى أن إيران تقدم 6 مليارات دولار سنوياً لنظام بشار الأسد لإبقائه على قيد البقاء (وقد جاءت هذه التصريحات بعد ما نُقل عن دي مستورا تقديره لحجم هذا الدعم، في اجتماع مغلق بواشنطن، بمبلغ 35 مليار دولار سنوياً). فيما يقدر مدير "مركز فارس لدراسات شرق المتوسط" بجامعة تافتس الأميركية، نديم شحادة، أن نظام طهران أنفق بين 14 و15 مليار دولار كمساعدة عسكرية واقتصادية لنظام الأسد في العامين 2012 و2013. وهو ما لا يشمل، كما يمكن الاستنتاج، تمويل المليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان، كما حزب الله، والتي تكاد تكون اليوم العمود الفقري لقوات الأسد.
فإذا أضيف إلى سورية كل من العراق واليمن، ولبنان طبعاً، وهي مناطق التدخل الإيراني المعلنة فقط، فهل يمكن لرفع العقوبات الدولية حتى بشكل مباشر وكامل، بخلاف المتفق عليه فعلياً، تعويض الإيرانيين عما ينفقونه هناك، لاسيما والمواطن الإيراني يتوقع تغيراً جذرياً في معيشته بعد اتفاق فيينا، ناهيك عن الجوانب الأخرى، وبما دفع الإيرانيين للاحتفال بعد اتفاق لوزان المؤقت، ومنعوا من الاحتفال بعد اتفاق فيينا النهائي لإدراك الملالي مخاطر دلالات ذلك؟ ويرتبط بذلك أن طهران، أقرت بذلك أم لا، تسابق الزمن قبل تغيير الإدارة الأميركية العام المقبل، والتي يبدو كل المرشحين للحلول مكانها، أكثر تشدداً إزاء سياسات إيران لا النووية، بل الإقليمية أساساً الداعمة لعدم الاستقرار، وبالتالي تقوية التنظيمات المتطرفة حتماً.
طبعاً، في حروب إيران في المنطقة، يظل العرب هم من يقدمون الثمن الأعلى؛ طالما أن الضحايا جميعاً منهم؛ شيعة وسُنّة، ومن كل مذهب (ودين) آخر. كما أن مدنهم واقتصاداتهم هي من يدمر. مع ذلك، فإن إيران ليست أبداً في وضع يسمح لها بفرض شروطها كقوة مهيمنة، وهي حتى اللحظة تسير على طريق عدم الاستقرار الداخلي، فيما تظن أنها تتوسع خارجياً كإمبراطورية.