الاحتجاجات... ابحث عن التفاوت الاجتماعي

أحمد محمد عوض

قراءة سريعة للاحتجاجات الاجتماعية التي تجري في مختلف أنحاء العالم كفيلة بفهم الأسباب التي تدفع ملايين البشر للخروج الى الشوارع تعبيرا عن رفضهم وغضبهم من تراجع مستويات حياتهم المعيشية.اضافة اعلان
القاسم المشترك لمختلف هذه الاحتجاجات بما فيها التي تجري في فرنسا حاليا وفي الأردن ومختلف الدول العربية، وفي أميركا اللاتينية وغيرها من عشرات الدول، يتمثل في تزايد التفاوت الاجتماعي ويطلق عليه البعض "اللامساواة" والبعض الآخر "اللاعدالة".
والمقصود بالتفاوت الاجتماعي "اللامساواة" أو "اللاعدالة" الفروقات الكبيرة في الدخول والثروات بين أفراد المجتمع، وتركيز الثروات بأيدي أعداد محدودة من الناس (القلة) على حساب زيادة كبيرة في أعداد الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة.
ولإدراك حدة الهوة بين مستويات التفاوت الاجتماعي مؤخرا، يكفي معرفة أن 1 % من سكان العالم يمتلكون ما يقارب 50 % من ثرواته، وأن 1 % من سكان العالم الأكثر ثراء حصدوا 82 % من الثروة العالمية التي أنتجت خلال العام 2017، حسب تقرير لمنظمة "أوكسفام" المعنية بمكافحة الفقر في العالم.
والتفاوت الاجتماعي ليس قدرا ولا حظا للبعض، كذلك فإن تراكم الثروات عند البعض ليس عوائد طبيعية للمجتهدين، بل هو نتاج لسياسات اقتصادية محددة، عملت على تكدس هذه الثروات عند القلة على حساب غالبية البشر.
وهذه السياسات تعمل على عدم إعادة توزيع الثروة بشكل عادل على مختلف مكونات المجتمع.
ولعل السبب الرئيسي في تزايد التفاوت الاجتماعي يعود الى تبني غالبية دول العالم للسياسات الاقتصادية "الليبرالية" وطبعتها الجديدة "النيوليبرالية" التي تقلل من دور الدولة في لعب أدوار مركزية في توفير الحدود الدنيا من الحمايات الاجتماعية لمواطنيها، وإعطاء القطاع الخاص أدوارا كبيرة في رسم السياسات الاقتصادية التي تخدم مصالحها، وعلى وجه الخصوص السياسات الضريبية.  ولعل أبرز هذه السياسات، التوسع الكبير في فرض الضرائب غير المباشرة (ضرائب القيمة المضافة والمبيعات والضرائب الخاصة) على حساب ضرائب الدخل التصاعدية العادلة على الدخول والثروات، إلى جانب السياسات الاستثمارية التي تكون على حساب معايير العمل ومستويات الدخول المنخفضة، بما في ذلك الحدود الدنيا للأجور.
وبغض النظر عن الأشكال التي تتخذها الاحتجاجات الاجتماعية في العالم، سواء أكانت ذات طابع سلمي كما حدث ويحدث في الأردن، والعديد من الدول الأخرى، أو عنيفا كما يحدث حاليا في فرنسا وغيرها من الدول، فهي مؤشرات على تراجع المستويات المعيشية لغالبية الناس، وعن عدم قدرة النظام الاقتصادي القائم على توفير مستويات معيشية تحفظ كرامتهم، وهذا بمجمله ناجم عن تفاقم التفاوت الاجتماعي.
وهي كذلك تعبير ومؤشر عن فشل القنوات السياسية القائمة من أحزاب سياسية وبرلمانات، وتراجع مستويات ثقة غالبية الناس فيها، الى جانب عدم قدرة هذه المؤسسات على تلمس (ديناميات) المحركات الداخلية التي تحدث داخل المجتمعات، والناجمة بشكل رئيسي عن تداخل المصالح بين المؤسسات السياسية -حتى وإن انتخبت ديمقراطيا- والقطاع الخاص الكبير والمتنفذ.
والخلاصة أن على الحكومات والمؤسسات السياسية قراءة هذه الاحتجاجات بطريقة سياسية دقيقة، وإعادة النظر بالسياسات التي تؤدي الى تعميق التفاوت -اللامساواة واللاعدالة- بمختلف أشكاله، وخلاف ذلك ستبقى العديد من الدول عرضة لأزمات غير محدودة وغير معلومة الأشكال والتداعيات.