الاحتياطي الإلزامي أداة فعالة للسياسة النقدية

أثبتت التجربة الأردنية أن الاحتياطي النقدي الإلزامي كان وما يزال إحدى أدوات السياسة النقدية الفعالة التي استخدمها البنك المركزي خلال الأزمات النقدية والمالية والاقتصادية التي مر بها الاقتصاد الأردني عبر السنوات والعقود الماضية. فقد استخدمت تارة رفعا وأخرى تخفيضا، للتدخل في السوق للتأثير على حجم السيولة وزيادة الاحتياطيات الاجنبية والتأثير على مستويات أسعار الفائدة في الاقتصاد. وكان ذلك بالطبع مع غيرها من الأدوات النقدية، كعمليات السوق المفتوحة (باستخدام أوراق مالية حكومية أو شهادات إيداع يصدرها البنك المركزي) وعمليات إعادة الخصم وإعادة الشراء. وقد أثبتت نجاعتها في تحقيق الأهداف التي استخدمت من أجلها في الأردن.اضافة اعلان
الاحتياطي النقدي الالزامي هو مقدار الأموال التي يحتفظ بها البنك في البنك المركزي من دون فائدة لضمان قدرته على الوفاء بالالتزامات في حالة السحب المفاجئ على الودائع إذا طلبت منه. وبنفس الوقت هي أداة يستخدمها البنك المركزي، كما ذكرنا، للتأثير على مستوى السيولة في الاقتصاد، تخفيضا في حالة الركود لتنشيط الاقتصاد من خلال توفير المزيد من السيولة للبنوك لتمكينها من التوسع في منح التسهيلات لمختلف القطاعات الاقتصادية التي تحتاج للتمويل، أو زيادة في حالة الرواج تخوفا من حدوث تضخم.
في حالة التخفيض كمثال، تم ذلك في شهر آذار (مارس) 2020 استجابة لتداعيات جائحة كورونا، حيث تم تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الالزامي من 7 بالمائة إلى 5 بالمائة. وجراء هذا التخفيض تم توفير مبلغ 550 مليون دينار مجانية للبنوك، وخاصة الصغيرة منها، لتمكينها من تقديم تسهيلات للقطاعات الاقتصادية التي عانت من شح في التدفقات النقدية جراء الإغلاقات. وهي المرة الأولى التي لجأ فيها البنك المركزي الى هذه الاداة بالتخفيض منذ العام 2009. وكانت هذه الخطوة ناجحة بامتياز.
والتجربة الناجحة الواضحة للعيان التي لجأ فيها البنك المركزي لتلك الاداة رفعاً كانت في بداية التسعينيات من القرن الماضي. فقد تم رفع نسبة الاحتياطي النقدي الالزامي لحدودها العليا (35 بالمائة) التي يسمح بها القانون، على الودائع بالعملات الأجنبية، وذلك على أثر الازمة المالية والنقدية التي اندلعت في نهاية الثمانينيات. وقد أدت الغرض منها أيضا بامتياز. حيث كانت المعضلة الرئيسية التي عانى منها البنك المركزي في ذلك الوقت هي نضوب الاحتياطيات الاجنبية لديه، وجراء رفع النسبة على الودائع بالعملات الاجنبية زادت احتياطيات البنك المركزي بشكل ملحوظ بفترة قياسية.
من الحكمة أن يستخدم البنك المركزي هذه النسبة بهامش أكبر من الحرية بحيث تكون 10 بالمائة مثلا على البنوك الكبيرة التي لديها سيولة فائضة غير مستخدمة، و 5 بالمائة على البنوك الصغيرة التي تحتاج لسيولة. فبيانات سوق ما بين البنوك INTERBANK MARKET في الأردن والتي يصل حجمها بالمتوسط الى 100 مليون دينار يوميا، تشير إلى أنه في العادة هناك عدد محدود من البنوك بائع للسيولة وهي البنوك الكبيرة، وعدد أكبر من البنوك الصغيرة مشترية للسيولة لتلبية متطلبات البنك المركزي من الاحتياطي النقدي الإلزامي واحتياجاتها الأخرى من السيولة على المدى القصير.
الاحتياطي النقدي الإلزامي، أداة نقدية بامتياز، يتصرف بها البنك المركزي على ضوء مجموعة العوامل التي ذكرت أعلاه، وتخفيض النسبة في الأوضاع الطبيعية يجب ان لا يكون على فترات متقاربة وخاصة عندما تكون هناك سيولة فائضة لدى البنوك وقابلة للاقراض، بمعنى توفر مشاريع مجدية اقتصاديا ومؤهلة للاقتراض.