الاختبارات العالمية الخمسة للرئيس الأميركي الجديد

دمى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي المنتخب دونالد ترامب في محل للهدايا التذكارية – (المصدر)
دمى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي المنتخب دونالد ترامب في محل للهدايا التذكارية – (المصدر)

سيمون تسدال - (الغارديان) 13/11/2016

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

تصوّر المشهد الآتي: تسقط طائرة ف-16 فالكون أميركية فوق سورية. ويُحتجز الطيار لدى تنظيم "داعش" الذي يهدد بقطع رأسه. وتُظهر أشرطة فيديو الطيار وهو يتعرض للتعذيب في قفص، في حين يسخر الإرهابيون من الرئيس الجديد دونالد ترامب. وتقدم عائلة الطيار التماساً إلى البيت الأبيض لإنقاذه. وتهيمن هذه الدراما على شبكات الأخبار التلفزيونية التي تبث على مدار 24 ساعة. وتحدث عاصفة إعلامية حقيقية. فماذا سيفعل ترامب؟
الإجابة: لا أحد لديه أدنى فكرة. يفتقر ترامب إلى الخبرة العسكرية. ولم يسبق له أبداً أن خدم في القوات المسلحة. وليست لديه أي خلفية في الدبلوماسية. لكن ما يمتلكه ترامب، بكل المقاييس، هو فتيلُ قصير -أي، ميل إلى إطلاق النار أولاً ثم طرح الأسئلة لاحقاً. كان أسلافه سيلعبون على الوقت، ويناشدون الحلفاء المحليين، ويسعون إلى عقد محادثات قابلة للإنكار من الباب الخلفي، بينما يبحثون خيارات تنفيذ عملية إنقاذ للطيار الأسير.
لكن الرئيس ترامب مختلف. فهو غير معتاد على المسؤولية الرهيبة للمكتب البيضاوي، والوقوع تحت ضغط شرس للقيام بعمل ما. وعندما يصبح مغضباً من إهانات "داعش" الشخصية، ومستثاراً من اتهامه بالتردد، ومصمماً على أن لا يعرض أي علامة على الضعف، من السهل تخيل ترامب وهو يتخذ خطوة خاطئة، متسرعة وكارثية. ومع بعض الكلمات حامية الرأس، والتي تتم ترجمتها إلى أوامر في غرفة العمليات، يمكن أن لا يفقد ترامب الطيار الأسير فقط، وإنما يمكن أن يدفع الولايات المتحدة إلى انغماس لا فكاك منه في مستنقع آخر من حروب الشرق الأوسط.
ثمة شكوك جدية في أن واقع قلة خبرة ترامب، ومزاجه المتقلب وغرائزه الذكورية، يمكن أن تعمل أيضاً في نقاط ساخنة عالمية أخرى حيث تكون أعمال رئيس أميركي -أو تقاعسه عن العمل- حاسمة دائماً وقاتلة في بعض الأحيان. وفيما يلي خمس قضايا متعلقة ببؤر خطيرة، والتي يمكن أن تختبر فجأة وعلى نحو غير متوقع حكمَ الرئيس المبتدئ، أو هدوءه ومنطقه، في الأيام المائة الأولى من ولايته.
سورية والعراق
ليس سيناريو رهينة "داعش" خيالياً تماماً. ففي كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، أسر "داعش" طياراً أردنياً من سلاح الجو الملكي، معاذ الكساسبة، وقام الجهاديون بإحراقه حتى الموت في قفص بعد أن فشلت المفاوضات في إطلاق سراحه. والآن، يصبح تكرار حوادث مماثلة تتضمن أعضاء أميركيين أو أوروبيين أو عرباً في التحالف المناهض لـ"داعش"، والقوات المحلية، أكثر احتمالاً بينما نقترب من نهاية اللعبة في القتال ضد "داعش" وخلافته.
تخاض المعركة ضد التنظيم الإرهابي على جبهتين رئيسيتين. الأولى هي حصار الموصل، المدينة الرئيسية في شمال العراق. وقد انتقد ترامب سير الحملة التي تتضمن بشكل رئيسي الجيش العراقي الشيعي، والميليشيات الكردية والعربية السنية، يدعمها 300 من رجال كوماندوس القوات الخاصة الأميركية. لكنه لم يعرض أي استراتيجية بديلة عنها.
وينطبق الكثير من الشيء نفسه على المحاولة لاستعادة مقر "داعش" في الرقة، شمال سورية. ويقول ترامب إن هزيمة الإرهاب هي أولوية عليا وإنه سوف يقصف "داعش" ويحطمه. ولكن، لا يبدو أن ثمة أحد، بما في ذلك ترامب نفسه، يعرف ما يعنيه ذلك في الممارسة. فإذا سارت المعركة بطريقة سيئة، هل سيعمد إلى التصعيد؟ هل سيقصف المدن قصفاً شاملاً حيث يعيش ملايين المدنيين؟ هل هو مستعد لنشر قوات برية أميركية؟ ماذا سيفعل إذا تعثر الحصاران -وهو ما يبدو ممكناً- أو إذا شرع "داعش" في تنفيذ عمليات إعدام يومية جماعية للمدنيين؟
كما يلتزم ترامب الصمت أيضاً إزاء تدخل تركيا المهم في سورية والعراق وقتالها الموازي مع الأكراد. ويريد الرئيس رجب طيب أردوغان شيئين من ترامب: وضع حد لدعم الولايات المتحدة لقوات البشمرغة الكردية، وتسليم فتح الله غولِن، رجل الدين المنفي في الولايات المتحدة، والذي يلقي اللوم عليه في انقلاب الصيف الفاشل. ومع وجود "داعش" في حالة تراجع، والحكومتين في العراق وسورية في حالة ضعف، يمكن أن تنفجر العداوة التركية-الكردية في أي وقت بينما تحاول أطراف النزاع إعادة رسم الحدود وتتنافس على الأرض والموارد.
روسيا وأوروبا الشرقية
رفع ترامب مستوى التوقعات بأنه يمكن أن يصلح الشق بين الولايات المتحدة مع روسيا. لكن إعادة ترتيب العلاقات سوف تأتي بثمن. في المقام الأول، سوف يريد فلاديمير بوتين، رئيس روسيا السلطوي، تخفيفاً أو إلغاءً للعقوبات التي فُرضت على بلده بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014. وعلى نحو يثير الفزع والخيبة في أوروبا، كان ترامب قد أشار إلى أنه ربما يوافق على ذلك.
كما يبدو من المرجح أن يواصل بوتين طريقه في سورية؛ حيث دفعت قواته بعميله، بشار الأسد، إلى حافة النصر في حلب وأماكن أخرى. ولم يعرض ترامب أي اعتراض جدّي على الأعمال الروسية في سورية، حتى مع أن الأمم المتحدة تقول إنها ربما تشكل جرائم حرب. ويبدو قانعاً بجعل الأسد يبقى في السلطة، أو حتى بأن يعامله كحليف في مكافحة "داعش".
ومع ذلك، يمكن لتجديد استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، على سبيل المثال، أو ارتكاب فظائع روسية جديدة، أو تصعيد مفاجئ للكارثة الإنسانية واللاجئين أن تصنع كلها أزمة جديدة تنفجر في وجه ترامب، وتجبره على التحرك ضد بوتين. وما تزال فكرة إقامة مناطق حظر للطيران وملاذات آمنة للاجئين تتمتع بمؤيدين. وإذا سار ترامب في هذا الطريق، فإن المطاف يمكن أن ينتهي به إلى مواجهة مباشرة مع الجيش الروسي.لا يستطيع الحلفاء الأوروبيون صنع الكثير إزاء لامبالاة ترامب تجاه سورية. لكنهم سيعارضونه بشدة إذا ما حاول إضعاف حلف الناتو، كما كان قد اقترح. وقد أصبح الضغط الروسي على أعضاء الناتو الأبعد إلى الشرق في جمهوريات البلطيق وبولندا وبلغاريا -من حيث التدخل السياسي، والتضليل الإعلامي، والهجمات السيبرانية، ونشر الصواريخ وإجراء المناورات العسكرية- أصبح الضغط يصل إلى ذرى جديدة. وترد الأخبار بشكل متزايد عن استغلال النفوذ وزعزعة الاستقرار في مولدافيا، ومونتينغرو وأماكن أخرى في البلقان. ويشكل شرق أوكرانيا قنبلة موقوتة. ويمكن لأي من هذه المناطق الساخنة أن تشتعل في أي وقت خلال أيام ترامب المائة الأولى في الرئاسة.
تريد الحكومات الأوروبية أن تقدم جبهة قوية موحَّدة. لكن ترامب يبدو أكثر اهتماماً بشراء روسيا عن طريق القبول باستعادة بوتين لمناطق النفوذ السابقة في حقبة الحرب الباردة. ويشير ازدراء ترامب للاتحاد الأوروبي –حيث امتدح علانية تصويت بريطانيا لصالح المغادرة- ورد الفعل الأوروبي المنتقد لانتخابه، خاصة في ألمانيا وفرنسا- إلى شقاق أميركي-أوروبي محتمل قادم على الطريق. وإذا حدث ذلك، سيكون ترامب قد ساعد بوتين في تحقيق هدف استراتيجي روسي طال انتظاره، وتحطيم 70 عاماً من تحالف أوروبا-الأطلسي.
الصين
لا تعرض الصين أي إشارة على التراجع عن سياساتها التوسعية في بحري الصين، الجنوبي والشرقي. وهي تعكف بنشاط على تحويل الشعاب المرجانية والجزر الصغيرة إلى قواعد عسكرية، وهو ما سيعطيها في نهاية المطاف سيطرة على الطرق البحرية التي تمر عبرها معظم التجارة البحرية العالمية. كما تستمر الصين في تجاهل المطالب الإقليمية المنافسة للدول الجارة، بما فيها اليابان التي تتعرض تجارتها للتهديد المباشر.
لمواجهة الصين، قامت الولايات المتحدة واليابان بتصعيد الدوريات البحرية والجوية في المناطق المتنازع عليها. كما قامتا أيضاً بالسعي إلى إقامة تعاون عسكري أوثق مع فيتنام والدول الإقليمية الأخرى، مثل أستراليا. وقد رفض حُكمٌ أخير لمحكمة الأمم المتحدة في لاهاي في شكوى تقدمت بها الفلبين، مطالبات الصين واعتبرها غير قانونية. لكن بكين رفضت قرار المحكمة، وسعت منذ ذلك الحين إلى خطب ود رئيس الفلبين المناهض للولايات المتحدة، رودريغو دوتيرتي. ثمة احتمال كبير جداً، حسب الاتجاهات الحالية، لأن تصل الجيوش الأميركية والصينية -عاجلاً أو آجلاً- إلى مواجهة مباشرة، في الجو أو في البحر. وحتى الآن، تم تجنب الاصطدام، جزئياً لأن أياً من الجانبين لا يعرف إلى أين يمكن أن يقود. ويقوم الحزب الشيوعي دورياً باستحضار الشعور القومي. وإذا أخطأ ترامب أو تخبط في هذا الظرف الدقيق، أو حاول عمداً دفع الصينيين إلى الوراء، فإن التداعيات يمكن أن تكون خطيرة.
حينما يتعلق الأمر بالفخاخ، تشكل تايوان -كما هو حالها دائماً- مصيدةً لزعيم أميركي غير حذِر. وقد انتخبت تايوان رئيساً جديداً في وقت سابق من هذا العام، والذي يشتبه الصينيون بأنه يتابع أجندة من أجل الاستقلال. ومنذ ذلك الحين زادت الضغط على تايبيه، بما في ذلك تعليق المحادثات. وكانت تايوان أزمة مجمدة منذ وقت طويل جداً بحيث أصبح من الصعب تصور أن تصبح "حية" فجأة. لكن شي جين بينغ، رئيس الصين صعب المراس، واضح في إزاء كونه لن ينتظر التوحيد بلا نهاية. وهو مثل ترامب، معتاد على الحصول على ما يريد.
كوريا الشمالية وإيران
تربط قضية منع الانتشار النووي بين البلدين. وقد أنكرت إيران دائماً امتلاك أو محاولة حيازة أو بناء سلاح نووي في الماضي. وأسفر الاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه العام الماضي بين واشنطن وشركائها الأوروبيين وبين طهران عن تعهدات بأن إيران لن تسعى إلى صناعة قنبلة نووية في المستقبل، أو على مدى السنوات العشر المقبلة على الأقل.
لكن ترامب سجل على الملأ قوله أن الصفقة سيئة ويجب إلغاؤها. ويعمل هذا الموقف في مصلحة رجال الدين المتشددين في طهران، الذين عارضوا باستمرار سياسة الرئيس حسن روحاني القائمة على تقديم تنازلات نووية في مقابل تخفيف عقوبات الأمم المتحدة. كما يريد اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، الصديق الجديد الأفضل لترامب، إلغاء الصفقة الإيرانية أيضاً. وإذا نكث ترامب بالصفقة، فإن روحاني سيتقوض، وكذلك الجهود الدولية لمكافحة انتشار الأسلحة النووية.
في المقابل، لا يمتلك دكتاتور كوريا الشمالية، كيم يونغ أون، أسلحة نووية مُسبقاً فحسب، وإنما يقوم بتسريع برامج البلد لبناء هذه الأسلحة، فيما يتسبب بالكثير من التهديد لليابان وكوريا الجنوبية والغرب. وفي الماضي، اقترح ترامب أنه ربما يقابل كيم. وقد قوبل ذلك العرض بالسخرية في بيونغ يانغ. وربما ينتج رهان يقوم بين كيم وترامب نوعاً من المستويات القياسية لتصادم الغرور. لكن من غير المرجح أن يحقق الكثير.أما اقتراح ترامب الآخر، أن تحوز اليابان وكوريا الجنوبية أسلحة نووية لردع كوريا الشمالية، فكان واحداً من أكثر اقتراحاته افتقاراً للمسؤولية، بالنظر إلى تجربة اليابان الفريدة في العام 1945. وسوف تراقب كوريا الشمالية أداء إدارة ترامب عن كثب. وإذا أحست بأن ترامب منصرف أو غير مهتم بقضايا الأمن الآسيوي (وهو ما ظهر بوضوح أنه واقع الحال حتى الآن)، فإن كيم ربما يحاول شيئاً استفزازياً أو محفوفاً بالمخاطر، حتى لو كان ذلك لاختبار ردود الفعل الأميركية. وبالنظر إلى أنه مخبول إلى حد كبير، فإن هذا يشكل احتمالاً مفزعاً.
إسرائيل وفلسطين
اتخذ ترامب موقفاً مؤيداً لإسرائيل بشدة منذ ترشحه للرئاسة، ووعد بأن يكون "أقرب صديق" لذلك البلد. أما ما قد يعنيه ذلك في الممارسة، فيبقى موضوعاً للتكهنات. لكن مستشاري ترامب قالوا لوسائل الإعلام الإسرائيلية إن واحداً من أول قراراته سيكون إصدار الأمر بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
ينطوي مثل هذا القرار، الذي قاومه في السابق الرؤساء الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء، على أهمية رمزية هائلة، بما أنه سيشكل اعترافاً فعلياً بمطالبة إسرائيل بكامل القدس كعاصمة لا تتجزأ. وسوف ينكر، في التفاتة هائلة، مطالبات الفلسطينيين بالقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطينية مستقلة في المستقبل.
كان بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، حذراً في البقاء على الجانب الأيمن من ترامب، بعد أن اختلف مع باراك أوباما على جهود الولايات المتحدة لصنع السلام وطائفة من القضايا الأخرى. وربما يؤتي تذلل نتنياهو ثماره. فالبقدر المعروف، كان نتنياهو أول زعيم أجنبي يُدعى إلى بيت ترامب الأبيض. ويتنبأ بعض من أكثر وزرائه تشدداً في الأثناء بنهاية أي جهود أميركية لتنفيذ حل الدولتين.
في المقابل، هنأت القيادة الفلسطينية ترامب بأدب على نجاحه. لكنه إذا قام بذلك التبديل الخاص بالقدس، فإن الغضب في الأراضي المحتلة وغزة سيكون كثيفاً، ويمكن أن يتحول بسرعة إلى العنف. ولعل قيام انتفاضة أخرى هي آخر شيء يحتاجه الشرق الأوسط الآن. لكن الانتفاضات، كما بات العالم يعرف الآن، هي تخصص ترامب.

*نشر هذا التحليل تحت عنوان:
 Five key global tests for the new president

اضافة اعلان

[email protected]