الاختلاف السياسي ظاهرة صحية

حين يغضب الأردنيون من "طوش" مجلس النواب المستمرة، ووصلات الشتم و"الردح"، ينبري من يقدم المبررات لما حدث ويحدث بالقول، ما الغريب في الأمر، فالعراك والضرب يحدث في البرلمانات الديمقراطية، ويستشهد باليابان ودول أخرى نقلت الفضائيات عن اشتباك بالأيدي جرى تحت قبة البرلمان عندهم.اضافة اعلان
يأخذون من البرلمانات الديمقراطية حادثة اشتباك معزولة، ولا يهتمون بباقي التفاصيل، ولا يستهويهم الحديث عن أن هذه البرلمانات رقيب حقيقي على الحكومة، وتسهر على إنفاذ القانون لا خرقه، وأنها تعبر عن الصراع السياسي والحزبي في المجتمع.
لا نعترض على الاختلاف السياسي بين النواب، فهو ظاهرة صحية، ولا نعارض حتى الكلام القاسي في معرض "المكاسرة" السياسية بين الكتل البرلمانية، وما نعيبه الشتم و"الردح"، واستعراض العضلات، واستخدام الأيدي والأسلحة.
من حق النائب عبد المجيد الأقطش أن ينتقد توقيف قيادات الإخوان وعلى رأسهم زكي بني ارشيد، وحتى وإن خرج عن النص، واعتبر القوميين واليساريين "انقلابيين" على النظام في فترة سياسية من عمر الأردن، وأن الإسلاميين كانوا هم الحلفاء والأكثر ولاءً له، فإن ذلك يظل رأياً يمكن الرد عليه بقسوة حتى ولو كان مزايدة سياسية يراها البعض "رخيصة".
كلام الأقطش وإثارته لتوقيف بني ارشيد وآخرين قد يكون سيناريو متفق عليه سلفاً، ومفيد للدولة الأردنية، فالتوقيف قد حدث وحقق غايته السياسية، ولا بد أن نوصل رسالة بأن لدينا ضغطا برلمانيا ومجتمعيا، ومطالبين أن نتصرف ونتعامل معه ونحتويه.
وكلام الأقطش لا يستوجب كل هذا الغضب، فالقومية العربية لا يوجد لها وكلاء حصريون، وهي مثل تيارات الإسلام السياسي ليست محصنة من النقد والمحاسبة السياسية والتاريخية.
الأدهى من كل ذلك الاشتباك الذي حدث بين النائب يحيى السعود والنائب هند الفايز، فعبارة "أقعدي يا هند" أصبحت "الهاشتاج" الأكثر شهرة في الأردن طوال الأيام الماضية.
انشغل الجميع "باقعدي يا هند" وكتبت آلاف التعليقات الساخرة، وألفت القصائد، ونشر الكثير من الصور وأصبحت الحادثة الفيلم الأكثر رواجاً.
رفض النائب السعود الاعتذار مؤكداً أن حديثه عن الكوتا مزحة، ونفى أي كلام عن "تقطيف الملوخية"، ووضع المكياج، ولم يذهب النقاش عميقاً وبعيداً، وأول الأسئلة الملحة التي يجب أن تطرح؛ أين لائحة السلوك والنظام التي أقرها مجلس النواب؟
لم نسمع أن رئاسة المجلس والمكتب الدائم أو رئيس ومقرر هذه اللجنة قرروا التحرك بعد هذه الحادثة؟
سواء اعتذر السعود أو لم يعتذر لزميلته الفايز، ولكل السيدات النواب في المجلس، فإن ثقافة التمييز "الجندري" راسخة في عقول غالبية النواب، وهم لا يرون في السيدات النواب نداً لهم، وينظرون "للكوتا" بأنها خلقت عبئاً سياسياً.
"الكوتا" جاءت تمييزاً إيجابياً لتمكين النساء من المشاركة السياسية في بيئة ضاغطة اجتماعياً وثقافياً عليهن، وإذا كان البرلمان حتى الآن يريد من النساء "تقطيف الملوخية" والجلوس في المنزل لوضع المكياج وانتظار "سي السيد"، فإن كل أحاديثنا عن التنمية المستدامة لا قيمة لها وتذهب أدراج الرياح.
"اقعدي يا هند" قد يعدها البعض كلمات ليست جارحة، ولكنها تكشف رسوخ النظرة الدونية للمرأة.
ما نكتبه ليس انتصاراً لهند الفايز، فهي تصدت لكلام الأقطش وكأن الأمر مشكلة شخصية، فرمزية المناضل حاكم الفايز أبعد من العائلة والعشيرة ولا ينال منها انتقاد القومية العربية، وكذلك فإن هناك من عتب مما فهم بأنه استهانة بجمهور بائعي البسطات وكأنهم أقل شأناً، وكأن هؤلاء حين يصوتون لك مذمة.
ما نكتبه انتصاراً للنساء وهو انتصار للمجتمع والأردن إذا كنا نريده أن ينهض من كبوته الحضارية.
خاتمة الكلام "لا تقعدي يا هند"!