الاستثمار صديق البيئة

يقف العالم امام تحد كبير وهو ما يتعلق بتلوث البيئة والاستنزاف الجائر لمواردها مما اوجد حالة من حالة عدم التوازن البيئي ، فأتى الإسلام لينبهنا الى خطورة الاخلال بسلوكيتنا تجاه البيئة ، وقد امرنا بها الله تعال في المحافظة الأرض وعلى مكوناتها كما جاء في قوله تعالى :﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ ، "الأعراف 85 " وفي قوله تعالى : ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) "هود 85" ، فاليوم وانطلاقا من هذا البعد الديني والاخلاقي فاننا نتحدث اليوم عن المسؤولية الإجتماعية للصناعة المصرفية الإسلامية وتحديدا لمصارفنا الإسلامية ونتوقف عند موضوع مهم وهو علاقة هذه المسؤولية بالبيئة والاستثمار بالمشاريع المتعلقة بها او تقديم التمويل اللازم لها , مع العلم ان هذه المسؤولية الاجتماعية والتي تُلقى على عاتق مصارفنا الاسلامية تأتي من منطلق الهدف الذي أنشئت من أجله هذه المصارف وارتكزت فيه على قوانين وأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء في خدمة المجتمع فإننا نعود لطرح هذا الموضوع من وجهة نظر أكثر واقعية وموضوعية لتأدية الرسالة الاجتماعية التي تنادي بها هذه المصارف، وفي الوقت نفسه تحصل على عائد مادي هو حق مشروع لها مصدره الاستثمار سواء بأموالها الخاصة أو ودائع العملاء المخصصة للاستثمار، وهو بالنتيجة يحقق الهدف ويجمع بين المسؤولية الاجتماعية وتحقيق العائد من الاستثمار.
سبقت الى هذا المجال اي الاستثمار في البيئة ماليزيا في تجربتها بإصدار «صكوك المسؤولية الاجتماعية»، وذلك بهدف ايجاد مصادر تمويل لمشاريع الاستثمار البيئي مثل الاستثمار في الطاقة المتجددة، الزراعة المستدامة، الاسكان الاقتصادي، المواصلات الصديقة للبيئة والصناعات الأقل ضررا على البيئة وهكذا
ففي حال وظفت المسؤولية الاجتماعية بهذا القطاع فإن هناك إمكانية لتسويق مثل هذه الصكوك عالميا في المجتمعات غير الإسلامية، فمن الممكن أن يكون هنالك إقبال على هذا المُنتج الجديد بما أنه في خدمة البيئة، ففي العديد من الدول هناك حاجة ملحة لإيجاد مصادر تمويل تلبي حاجة التنمية المستدامة وفي الوقت نفسه تنسجم مع متطلبات المحافظة على البيئة.
كنا نرى دائما أن على المصارف الإسلامية الانتقال الى حالة متقدمة من الابتكار والتجديد وعدم الاكتفاء بإيجاد أدوات تمويل بديلة لتلك الموجودة في المصارف التقليدية لأن ذلك من شأنه أن يؤدي الى حالة الجمود في مسار تطور الصناعة المصرفية الاسلامية، علما بأن فضاء التطور لديها رحب بفضل فلسفتها التي ترفض المتاجرة بالنقود بل عليها لتحقيق عائد، أن تعتمد على التقاء عنصر العمل مع النقود لتحصل على الربح المشروع، فإصدار صكوك المسؤولية الاجتماعية أو الصكوك الخضراء سيعمل على خلق بيئة استثمارية ذات طابع اجتماعي واقتصادي، تعمل على تحقيق تنمية للمجتمع وتخفف من الأعباء المعيشية لأفراده، خاصة وأن الأصول المالية المتاحة لهذه المصارف يقدر لها أن تفوق تريليوني دولار في الأمد القريب، ومعدلات سيولة مرتفعة، مما يسمح لها أن تدخل مجال الاستثمار في هذا النوع من الصكوك بكل ثقة، فوجود مثل هذه البيئة السليمة يحقق لها وبكل تأكيد فرص تحقيق عائد أفضل تنتظره من استثماراتها.
وأمام هذا الهدف الاجتماعي والاقتصادي، لابد من وضع استراتيجية تسويقية جريئة تكون مهمتها التركيز على التعريف بهذا المنتج المتسم بالأخلاقية والملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية ويحمل رسالة مفادها؛ أن المال له وظيفة اقتصادية واجتماعية تعمل على خدمة المجتمع وتحقيق التنمية المحافظة على البيئة مع مراعاة حقوق أصحاب الملكية لهذا المال في تحقيق عائد يتوافق مع طموحاتهم في الاستثمار.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي