الاستثمار في اعتصام أطباء مصر؟

لم يتجمع آلاف الأطباء المصريين في نقابتهم وحولها، يوم الجمعة الماضي، احتجاجاً على "تصرف فردي" من قبل بعض رجال الشرطة، بالاعتداء على طبيبين في مستشفى المطرية بالقاهرة واعتقالهما. أما الأسوأ، فهو ادعاء أحد كبار ضباط مركز المطرية الأمني، كما نقلت صحيفة "واشنطن بوست"، أن الطبيبين المحتجزين هما من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة! فمثل هذا الادعاء، لتبرير الاعتداء على الأطباء، يصب بالنتيجة في رصيد الإخوان وليس العكس؛ أقلها -في حال ثبت أو صدقنا أنهما إخوان فعلاً- من باب أن عشرات الآلاف من النخبة المجتمعية المصرية لا ترى في الجماعة ما تذهب إليه الرؤية الرسمية؛ بأنها تنظيم إرهابي.اضافة اعلان
أيضاً، ليس من مصلحة مصر، دولة ونظاماً، "أخونة" الأطباء وسواهم من قادة المجتمع المصري، أو حتى إضعافهم. بل إن كل التطورات الداخلية تثبت أن الدول العربية جميعها، ومصر واحدة منها، لا تملك إلا تعزيز دور القيادات المجتمعية ضمن قواعدها الشعبية، والتواصل معها إيجابياً. ذلك أننا، وببساطة، لم نعد نملك من خيار سوى الإصلاح. وهو إصلاح لا بد وأن يكون قاسياً جداً، لأنه تأخر كثيراً. ومن ثم، فإنه حتى يبقى إصلاحاً، ولا يتحول إلى نقيضه تماماً، فإنه يحتاج إلى اقتناع أغلب فئات المجتمع بدفع الثمن مرحلياً، لحين الخروج من عنق الزجاجة نحو تنمية مستدامة تضمن عدالة التوزيع، جزءاً من احترام إنسانية الإنسان ككل. وليس من أحد بقادر على تحقيق هذا الاقتناع إلا قادة من قلب المجتمع، يثق بهم، بعد أن يثق هؤلاء بوعود الأنظمة.
في مصر تحديداً، فإنه حتى قبل انهيار أسعار النفط، مع تأثير ذلك على المساعدات العربية، يُضاف إليه اليوم استنزاف الحروب جزءاً كبيراً من موارد الدول العربية الغنية، كما تباطؤ الاقتصاد العالمي ككل.. قبل كل ذلك وغيره، كان مفروغاً منه أن الاقتصاد المصري لا يمكن أن يتعافى من دون إصلاحات اقتصادية مؤجلة منذ عهد حسني مبارك؛ وهي تشمل أساساً إلغاء الدعم عن كثير من السلع والخدمات الأساسية، كما بات يصرح المسؤولون المصريون، تهيئة لقرارات صعبة مقبلة خلال وقت وجيز حتماً.
هكذا، يمكن قراءة اعتصام آلاف الأطباء المصريين باعتباره فرصة، للدولة المصرية شعباً ونظاماً؛ تستوجب الاقتناص والاستثمار.
فهي من جانب، دليل على عدم إمكانية العودة إلى ظروف وممارسات ما قبل ثورة "11 يناير" 2001. وهي من ناحية رسمية، دليل أيضاً على وجود قيادات مجتمعية يلتف حولها المواطنون المصريون. وهم إذ التفوا حولها للاحتجاج اليوم، فإن عددهم سيكون حتماً أكبر ومتعاظما لإخراج الوطن من ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية صعبة.
لكن يظل الشرط الحاسم هو أنها فرصة بقدر ما يريد أصحاب الشأن رؤيتها كذلك، وليس العكس.