الاستراتيجية الغربية في سورية

بعد مرور أكثر من ست سنوات على الحرب الأهلية في سورية، يبدو أن الاستراتيجية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة قاربت من نهايتها بفشل ذريع.
بعد اندلاع الأزمة في سورية العام 2011، كان الخطاب الغربي حاداً ضد النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، إذ كان يتلخص بضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة، وبالقول إنه لا يوجد حل للأزمة بوجوده، ولكن المشكلة في هذا الخطاب أنه لم يتم وضع آليات أو سياسة واضحة تفضي إلى ذلك، وبقيت هذه التهديدات فارغة من المحتوى، ولم تؤخذ على محمل الجد من قبل النظام وشركائه.اضافة اعلان
لقد راهنت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى كفرنسا لتحقيق أهدافها على دعم وتدريب ما أطلق عليه "الجيش السوري الحر" الذي كان يتلقى سلاحاً وتدريباً سرعان ما ينتهي مفعوله إما بهزيمة هذا الجيش الحر أو انضمامه للمعارضة المتشددة.
أما السياسة الأخرى التي يبدو أنه تم التعويل عليها؛ فهي التدخل من قبل قوى إقليمية من خلال دعم التنظيمات المسلحة المعارضة للنظام التي كان دعمها المباشر من الدول الغربية غير ممكن؛ لأنها إما أنها كانت تنظيمات ارهابية؛ أو صنفت كذلك؛ أو أنها تنظيمات متشددة لا تشكل بديلاً ديمقراطياً عن النظام الدكتاتوري السوري. وبعد صعود تنظيم "داعش" تحوّلت السياسة الغربية لمحاربة هذا التنظيم الذي استولى على أراض شاسعة في سورية والعراق، وتم تشكيل التحالف الدولي الذي وضع أولوية لمحاربة هذا التنظيم مع القوى الإقليمية في العراق وسورية وقد شارفت المعركة معه على نهايتها.
تغيرت قواعد اللعبة بعد التدخل الروسي في سورية، وتشكل تحالف صلب مع النظام السوري مكون من روسيا وإيران وحزب الله وتنظيمات مذهبية أخرى. واستطاع النظام السوري تحويل المعركة من نضال شعبي سوري يريد دولة ديمقراطية إلى صراع مع الإرهاب. ومع تصاعد الإرهاب الدولي الذي وصل  إلى عقر  أوروبا، وتدفق اللاجئين السوريين إلى هناك بأعداد ضخمة شكلت كابوساً لتلك الدول،  انصب الاهتمام الغربي نحو مكافحة الإرهاب، ومجابهة أزمة اللاجئين السوريين.
استغل النظام السوري وحلفاؤه هذه الظروف وأحكموا سيطرتهم على مناطق شاسعة في سورية التي شكل الاستيلاء على حلب نقطة تحوّل في الصراع السوري، وتدريجياً بدأت قدرة التنظيمات المسلحة بالتراجع، وتمت هزيمة المعارضة السورية المسلحة، وتراجع نفوذها وقدرتها على التأثير في المشهد السوري.
بالمقابل؛ استطاع المعسكر الداعم للنظام من تنفيذ مخططاته بساحة المعركة وخارجها من  خلال التفاهمات المحلية مع التنظيمات المسلحة، وصولاً إلى محادثات أستانه والاتفاق على مناطق تخفيض التوتر.
بعد تسلم ترامب السلطة ازدادت وتيرة التدخل العسكري الأميركي في سورية؛ بهدف مكافحة الإرهاب، وذلك بالتعاون مع الشركاء المحليين، وبخاصة الأكراد، وفي الوقت نفسه ارتفع الخطاب الأميركي المعادي لإيران. المشكلة أن التدخل الأميركي العسكري في سورية لا يأتي ضمن استراتيجية جديدة، وها هو مع مرور الوقت يجد نفسه يقترب من الاصطدام بالنظام السوري وحلفائه، ولا سيما الإيرانيون الذين يمتلكون أوراقاً كثيرة وعلى الأرض في سورية والعراق على حدّ سواء والذين لن تستطيع أميركا مجابهتهم عسكرياً، وكما جاء على لسان السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد بأن الولايات المتحدة سوف تخرج مهزومة من المواجهة العسكرية مع إيران والتنظيمات الشيعية التي تدور بفلكها إن توسعت، فقد تعود إلى مواجهة مع روسيا غير مضمونة النتائج.
فشل السياسة الأميركية والأوروبية عموماً بسورية ليس بجديد؛ فهي تأتي تتويجاً لسياسات التدخل الفاشلة السابقة في العراق وأفغانستان. لقد حان الوقت لتدرك الولايات المتحدة أن لا مجال لحل الأزمة السورية من دون التفاهم والحوار مع روسيا مع وجود أطراف بالإدارة الأميركية لا ترغب فيه.