الاستعداد لفوز "حماس" في الانتخابات

لا شك في أن تشكيل حكومة رامي الحمدالله، الاثنين الماضي، هو لحظة فلسطينية تاريخية مهمة، يختلف ما بعدها عمّا قبلها. فقد انتهى وجود حكومتين فلسطينيتين، وجرى ذلك بالتوافق، من دون "هزيمة" طرف للآخر، وإن كان يمكن القول، وبنظرة فاحصة، إنّ "حماس" هي من قدّم أكبر تنازلات (ولكن ليس كل التنازلات) في سبيل هذه الحكومة. فالحكومة الجديدة تكاد تكون نسخة عن الحكومة السابقة التي عينها الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، من رام الله، مع بعض التعديلات غير الجوهرية. وتصمت "حماس" إلى حد كبير، عن تصريحات بأن هذه الحكومة ملتزمة بما تلتزم به الرئاسة الفلسطينية دوليا وفي إطار عملية التسوية، وهذا يعكس فعلا حرصاً على إتمام المصالحة.اضافة اعلان
إلا أن هناك، في الوقت ذاته، وضعا أمنيا غريبا إلى حد كبير، يتثمل في أنّ "حماس" وعدت بتسليم الأجهزة والوزارات المدنيّة للحكومة الجديدة، ولكن ليس الأجهزة الأمنية. على أنّ وزارة الداخلية بقيادة رئيس الوزراء رامي الحمدالله، وبقوة الجانب المالي، أي سلطة دفع الرواتب، يمكن أن تشهد استيعابا تدريجيا لرجال الأمن في غزة، وجزءاً لا يستهان به منهم، إن لم يكن الغالبية العظمى، عناصر وأنصارا في حركة "حماس"، ضمن منظومة حكومية واحدة بقيادة الحكومة. وعملية التسليم هذه، وعملية الصمت أو الاحتجاج الخافت على التصريحات بشأن موقف الحكومة السياسي، قد لا تكونان عمليتين سهلتين، ولن تتقبلهما عناصر كثيرة داخل "حماس".
الاعتقاد السائد هو أن الوضع الراهن المعقد والحساس في تقاسم المهام الأمنية وتوزيع الأعباء، ينتهي مع الانتخابات المزمعة بعد ستة أشهر، والمفترض أن تشكل المجلس التشريعي الفلسطيني، والرئاسة الفلسطينية، والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية. والحقيقة أن الانتخابات، على أهميتها القصوى، لا تحل المشكلة. فبداية، تحتاج الانتخابات ذاتها كثيرا من الجهد لتتم، خصوصا من حيث تجاوز العقبات التي سيضعها الجانب الإسرائيلي، أو ما يتعلق بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وصعوبة إجرائها في الشتات. لكن الأهم أنّ الانتخابات وحدها لا تحل المشكلة.
ماذا لو جرت الانتخابات فعلا، وفازت "حماس" كليا أو جزئيا مجدداً؟ سيجد الشعب الفلسطيني نفسه تحت حصار وحرب إسرائيليين، وقد يتكرر سيناريو طلب "حماس" سلطة كاملة (حتى لو لم تفز بالرئاسة الفلسطينية)، مقابل تردد "فتح" في ترك مواقعها والانتقال إلى مقاعد المعارضة، وسيتجدد الانقسام.
بموازاة ترتيبات الانتخابات، بل وقبل ذلك، لا بد من التوصل إلى برنامج وطني حقيقي تقبله الأطراف الفلسطينية الرئيسة، ويجري تأمين قبول وطني ودولي به. ولا بد من دراسة احتمالات فوز أو خسارة "حماس" في الانتخابات؛ ففوزها حق مشروع لها، مثلما هو حق مشروع لحركة فتح، ولا يجب أن تراهن أي قيادة فلسطينية على أن الحل سيأتي وحده بافتراضهم عدم فوزها، كما فعلوا العام 2006.
توقع فوز "حماس" يكون، أولا، بالتوصل لبرنامج وطني مقبول للجميع، ولو بدرجات متفاوتة وبتباينات. فإذا كانت الرئاسة الفلسطينية، وتحديدا الرئيس محمود عباس، استطاعت في هذه المرحلة أن تؤمّن قبولا أميركيا أوروبياً لا يرفض "اشتراك حماس في تشكيل" الحكومة الحالية من دون المشاركة فيها، فإنه يجب التهيئة دوليا لاحتمالات مشاركة "حماس" في حكومة مقبلة، أو احتمالات تشكيلها. وهذا يتضمن مهامّ على "حماس" و"فتح" الاستعداد لها. وعلى "فتح" الاستعداد لاحتمال انتقالها إلى مواقع المعارضة، ولو مؤقتا.
كذلك، فإن احتمالات خسارة "حماس" قد تجلب تعقيدات ليست أقل مما يجلبه فوزها. فضمان أن تكون معارضة في إطار برنامج وطني، ومن دون انقسام على الأرض، يحتاج بدوره برنامجا وطنيا متفقا عليه، ومؤسسات ناجعة تسمح بالمعارضة الفاعلة. ومن هنا، فإنّ الانتخابات ليست المهمة الأكثر إلحاحاً فلسطينيا، رغم أهميتها القصوى وضرورة أن تُجرى في موعدها، بل الأهم هو التفاهم حول برامج العمل السياسي، وإصلاح مؤسسات العمل الوطني، وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية؛ وكذلك وضع قواعد العمل السياسي الفلسطيني، وتهيئة القواعد الشعبية، والمؤسسات والأجهزة الأمنية، والأطراف الدولية، لاحتمالات دخول عصر يتم فيه تداول القيادة بين انتخابات وأخرى، مع وجود مواقف وطنية جامعة متفق عليها.