الاستنتاج بالاستثناء

يصر كثير من الباحثين، والكتاب، والمعلقين.. على نسبة الإرهاب الإسلاموي "الطالباني القاعدي الداعشي" إلى أكثر من عامل، فيجعلون الفقر والبطالة والظلم والفساد وأنظمة الحكم في بلدانهم، مصدره أو الدافع إليه. لكن هذه العوامل تسقط تباعاً بطريقة البحث المعروفة بالانتقاء أو الاختيار بالحذف (Selection by Elimination)؛ بمعنى -مثلاً- أنك عندما تُعلن عن حاجتك لموظفين للعمل في شركتك بالمؤهلات والشروط كذا وكذا، فإن كثيرين يتقدمون بطلباتهم إلى الوظيفة مع أنها لا تنطبق عليهم. ولتحدد من تنطبق عليهم مواصفاتك المعلنة، تقوم بالنظر في كل طلب لاختيار من تنطبق عليه، واستثناء أو استبعاد من لا تنطبق عليه، وقصر البحث في القلة التي انطبقت عليها المواصفات، ثم مقابلة من وقع عليهم الاختيار النهائي.اضافة اعلان
وبالمثل يمكن أن نطبق هذا الأسلوب على عوامل الإرهاب، أو على الأصح "الإرعاب" (Terror)، ولنسمِّ أسلوب البحث هنا "الاستنتاج بالاستثناء" (Conclusion by Exclusion). وبموجب ذلك نفحص الادعاءات حول عوامل الإرهاب. فإذا ادعينا أن الفقر هو أحد عوامل أو أسباب الإرهاب الذي هو قتل للناس الأبرياء/ المصادفين من كل الأعمار والأجناس والأديان، وبحثنا، نجد أن الفقراء في بقية بلدان العالم لا يلجأون إليه. وعليه، فإننا نسقط هذا العامل من حسابنا. وإذا ادعينا أن البطالة هي أحد العوامل أو الأسباب، فإننا بالبحث نجد أن العاطلين عن العمل في البلدان غير المسلمة لا يلجأون إلى مثل هذا الإرهاب، فإننا نسقط هذا العامل من حسابنا. وينطبق ذلك على الظلم والفساد وعلى غيرهما من العوامل، مما يُذكر أو يُستحضر في المقالات، والكتب، والندوات، والبحوث لتفسير ظاهرة الإرهاب المقصورة علينا.
لا يبقى لدينا وبين أيدينا حسب هذا الأسلوب من عامل أو سبب للإرهاب، سوى المعتقدات الدينية الفريدة التي ينطلق منها الإرهابيون المنتسبون للإسلام في افتعال الإرهاب وفي مواصلته من دون توقف ضد الناس الأبرياء/ المصادفين المسلمين وغير المسلمين. تلك المعتقدات الناجمة عن الفهم أو التفسير الإرهابي للدين، والذي بلغ أوجهه بعد انتصار "جهاد الإيمان على السوفييت في بلاد الأفغان"، وفي تفجيرات نيويورك وواشنطن وما تلاها إلى اليوم.
من دون هذا التفسير نظل نراوح مكاننا، لأنه لا يمكن القضاء على الفقر، أو البطالة، أو الظلم، أو الفساد.. بقرار أو بتنمية وعدالة. وحتى لو استطعنا فإن الإرهاب سيستمر باستمرار الفهم أو التفسير الإرهابي للدين، وإلا كيف تفسر قيام شباب النخبة الثقافية والاقتصادية في بنغلادش بالمذبحة الأخيرة للأجانب في أحد المقاهي في دكا؟
لا يمكن للفقر أو البطالة أو الظلم أو الفساد.. أن تصل بصاحبها إلى مستوى الانتحار أو تفجير الذات لقتل الأبرياء المصادفين بدلاً من قصرها على أنفسهم بعيداً عن بقية الناس لولا المعتقدات الإرهابية. كما لا يمكن لأي مخابرات أن تجعل مئات أو آلاف المسلمين يفجرون أنفسهم بغيرهم من الناس الأبرياء/ المصادفين، لولا إيمانهم الإلهي بمشروعيته.
لولا تلك المعتقدات الإرهابية، أو على الأصح الفهم أو التفسير الإرهابي للدين، لما كان هناك إرهاب ولا قتل أو تفجير. إن هذه المعتقدات عاملة ومرئية عند الإرهابيين، وكامنة عند أتباعهم من "الذئاب المنفردة" والمؤيدين لهم، ولكنها تتفعل وتعمل بنكشة او إشارة أو قدحة، كما حدث لمحمد بوهلال الذي اندفع بشاحنة يدوس بها على الناس الأبرياء/ المصادفين في مدينة نيس المحتفلين بعيد الثورة الفرنسية في 14/ 7/ 2016، كان أكثر من ثلثهم من المسلمين.
يشكل هذا الإرهاب خطراً على كل واحد في العالم لأنه، من جهة، يعامل كمتهم به عند كل معبر إلى أن يثبت العكس، وضحية محتملة له في أي وقت أو مكان. كما أنه يشكل الخطر الأكبر على وجود المسلمين المهاجرين في الغرب، ويخدم إسرائيل في تشويه المقاومة الفلسطينية وجعلها إرهاباً، ويدفع اليهود في فرنسا وغيرها إلى الهجرة إلى إسرائيل، وبالتالي الاستيلاء على المزيد من بقية بقية فلسطين لإقامة مستوطنات لهم عليها.