الاستيطان يجعل القدس مدينة غير قابلة للتقسيم

الاستيطان يجعل القدس مدينة غير قابلة للتقسيم
الاستيطان يجعل القدس مدينة غير قابلة للتقسيم

 

معاريف – شالوم يروشالمي

فندق شيبرد سابقا في الشيخ جراح الذي سيتحول عما قريب الى حي يهودي متوسط فتح في هذا الاسبوع لاول مرة امام صحافي ولم يثر انفعالا كبيرا. البيت الاكثر شهرة في العالم في هذه الايام هو مبنى مستطيل طوله خمسون مترا تقريبا قديم ومهجور. بوابة حديدية كبيرة تقود الى منصة الاستقبال المكسورة قبالة البار الذي تحول الى مخزن ومنه تصعد الدرجات نحو الطابق الثاني. في الاربعينيات قطن المفتي المقدسي الحاج امين الحسيني في هذا المنزل. غرفتان مع سقوف عالية وأقواس مستديرة بنيتا في الطابق الاول. كانت هناك اربع غرف نوم في الطابق الثاني وهي ملاصقة لشرفتين جميلتين معمرتين بصورة جيدة.

اضافة اعلان

منذ ان رحل المفتي الى بارئه اجتاز المكان تقلبات مختلفة. عائلة الفنادق المسيحية ماروم اشترت المبنى واضافت له 50 غرفة واستخدمته كفندق بدرجة ثلاثة نجوم حتى العام 1988. وأدى الموقع الاستراتيجي الى وجود زائرين طوال ايام السنة. في العام 1984 اشترى الفندق مليونير القمار الاميركي اريفنغ موسكوفيتش. وبقي الفندق فعالا حتى الانتفاضة الاولى في العام 1988 وعندئذ اجتاز تحويلا اختصاصيا ملائما، فقد استخدم كقاعدة لحرس الحدود طوال السنوات السبع الماضية. ومن يتجول في الغرف يلاحظ بقايا صور مادونا الى جانب ملصقات تدعو للارتقاء بالتجمعات السكانية الدرزية.

في صالون المفتي في الطابق الاول يتواجد الحارس احمد منذ 15 عاما. وفي كل يوم ينضم اليه صديق او اثنان لتبديد ضجرهم.

على الاميركيين ان لا يتدخلوا

اليشيع بيلغ، ماتي دان هكوهين ودافيد باري هم الشخصيات المركزية في النشاط اليهودي في شرقي القدس. دان وباري ينشطان في المنطقة منذ ثلاثين عاما. بيلغ كان في مجلس المدينة في الثمانينيات وانتقل الى بئر السبع ليعود الى المجلس في بداية الفترة الرئاسية كممثل لليكود. ماتي دان القاطن في حارة النصارى يشرف على جمعية عطيرت كوهانيم المسؤولة عن شراء المنازل بطرق مختلفة في كل حي في شرقي القدس تقريبا. باري الذي شكل جمعية العاد يقطن ويعمل في منطقة سلوان. مدينة داود الموجودة ضمن قرية سلوان تحولت الى منطقة يهودية ملاصقة لموقع اثري مذهل بسبب نشاطات باري. ويطلق المستوطنون في المدينة على المكان اسم مدينة دويداليه (اسم الدلال لداود).

بيلغ هو الراعي السياسي الابرز لدان وباري، وهما يشكلان ذراعه التنفيذية. خلال ايام وساعات طوال من التجوال في كل النقاط الخلافية في شرقي المدينة لم انجح في فهم ومعرفة من الذي يحرك من بالضبط. العمل متبادل على ما يبدو. الفندق في الشيخ جراح مثلا فتح امامنا فقط باوامر مباشرة من ماتي دان وكذلك الدخول الى منازل المستوطنين في بيت هاحوشين في الطور وبيت الاخوة في ابو ديس واماكن اخرى. ويحتفظ بيلغ بعلاقة مباشرة مع اورين بن عزرا، صهر اريفنغ موسكوفيتش الذي يدير الامور من منزله في ميامي بيتش. بيلغ هو ايضا الشخص الذي يزعج رئيس البلدية في كل مناسبة ويضع خططا هيكلية قد تشكل خطرا على المشاريع اليهودية واقتراحات على جدول الاعمال في ظل "التدخل الاميركي الفظ في مباني شرقي القدس". ويرفض دان وباري اجراء مقابلة معهما.

المصطلحات الاساسية هي "القطع" و"فرض الحقائق على الارض التي تحول دون تقسيم المدينة". احياء يهودية تقام في قلب الاحياء العربية لقطع التواصل السكاني العربي في المدينة. منازل يهودية تشترى في قلب سلوان من اجل منع وجود تواصل عمراني عربي داخل الحي. شقق يهودية تشترى في منازل عربية في الحيين الاسلامي والمسيحي من اجل كسر الوجود العربي داخل البلدة القديمة ايضا. حروب تجري على مدار الساعة من اجل اضافة منازل وهدم منازل وبناء شوارع ومد بنى تحتية، تقليص المناطق الخضراء وتوسيع مناطق مفتوحة.

المعارك لا تتوقف للحظة. تحت فندق شيبرد في الشيخ جراح في موقع الصديق شمعون تتظاهر عائلتان فلسطينتان حصلتا في هذا الاسبوع على اوامر اخلاء. عائلات يهودية جديدة ستحل محلهما بالتأكيد بواسطة جمعية العاد التي تدعي ملكية البيت. علياء الشابة التي جاءت خصيصا من مصر هي التي تقوم بإدارة العلاقات العامة للعائلة الجديدة. في المكان اطلقت هناك في يوم الثلاثاء صرخة كبيرة واقسمت العائلات على عدم الرحيل عن منازلها وان المحامين الاسرائيليين يمتلكون وثائق مزيفة. وقد تدخلت الادارة الاميركية في قضية عائلة اخرى كانت قد اخليت من الموقع لصالح عائلة يهودية.

في ظل هذه الظروف من يتحدث عن تقسيم المدينة بين احياء يهودية وعربية سيواجه واقعا متمازجا. ولدى بنيامين نتنياهو وبني بيغن واليشع بيلغ وماتي دان ودافيد باري وربما اغلبية الجمهور في البلاد المؤيد بصورة شبه عمياء للقدس الموحدة في هذه اللحظة سبب جيد للابتسام.

اشتروا.. الأسعار سترتفع بالتأكيد

في قلب حي جبل المكبر استكمل في هذه الايام مشروع بناء الحي اليهودي نوف تسيون. وهو على ما يبدو احد الاحياء الراقية في المدينة. سياح من كل انحاء في العالم يدفعون اموالا كثيرة لزيارة متنزه ارمون هنتسيف المجاور، من اجل مشاهدة ما يراه سكان حي نوف تسيون من منازلهم. البناء نفسه يثير الدهشة. الاسعار في السماء والمشترون جاهزون. في المرحلة الاولى بنيت ثلاثة صفوف من المباني مكونة من 91 وحدة سكنية تم بيع معظمها. وفي المرحلة الثانية في الاسفل 280 وحدة سكنية اخرى وفوق الجميع سيكون هناك فندق وكنيس.

الحاخام شموئيل بوتح من لوس انجلوس الذي قضى عامين مع مايكل جاكسون والان يؤلف كتبا حوله اشترى ثلاث شقق في الموقع وربطها معا. ممثله جاك روحنيان اليهودي من اصل فارسي الذي جاء من أجل استكمال الصفقة يقول ان الحاخام يفكر في الاستثمار فقط. ويدور الحديث عن ان اطرافا ثرية من دول الخليج عرضت على صاحب المشروع مليون دولار مقابل الارض الا انه يرفض البيع. وهو يقول ايضا انه لا يليق به ان يبيع شقة لعربي وان ذلك يشبه وضع ذبابة في صحن مرقة.

مثلما كان قبل فك الارتباط

جبل المكبر هو الحي العربي في شرقي المدينة ويقطنه قرابة 15 الف شخص. هو يهبط في المنحدر الجبلي ويرتبط بقرية سلوان. اليشيع بيلغ وشاب اسمه ج يقفان في الوقت الحالي في شارع حوش مراغا في قرية سلوان بجانب منزلين يهوديين بيت يوهنتان وبيت العسل وكلاهما ينظران للمشروع البعيد والآمن في مرتفع الجبل ويتمنيان اليوم التاريخي الذي تترابط فيه الاحياء اليهودية الصغيرة معا وتكسر التواصل السكاني العربي اكثر فأكثر. هذا الامر لن يحدث على ما يبدو في العقد الحالي.

مائير مرغليت في عضو مجلس البلدية عن حركة ميرتس. انا التقيه في سلوان كثيرا. في منحدر قرية سلوان اقام الفلسطينيون خيمة احتجاجية دائمة ضد نوايا البلدية في هدم عشرات المنازل التي اقيمت على امتداد حديقة الملك. ويعمل مرغليت بالتعاون مع رئيس اللجنة المحلية فخري ابو دياب، حيث يسعيان لتشريع البناء القائم وتبييضه. بالنسبة لبيلغ واتباع اليمين هذه المنازل غير قانونية وهي تبلور تواصلا فلسطينيا غير مرغوب على طريق جبل الهيكل (اي الحرم). وتبدو الحرب الناشبة بين الجانبين ضارية. وقد تدخل الاميركيون ايضا وحذروا من هدم المنازل. ويدعي مارغليت انه ان تم اخلاء السكان من منازلهم في الاحياء العربية في هذه المرة فلن يكون من الممكن تقسيم المدينة بصورة مادية. وبالحد الاقصى سيمكن تقسيمها وظيفيا. ويسعى المستوطنون اليهود لتحويل التسوية الوظيفية الى مسألة غير قابلة للتحقق، وليس من الممكن المبالغة في الاصرار غير العادي الذي يبدونه.

في يوم الاثنين صباحا سافرت مع اليشع بيلغ الى ابو ديس القرية العربية الكبيرة المقسومة الى نصفين من خلال الجدار الفاصل. المليونير موسكوفيتش اشترى 560 دونما في الجانب الاسرائيلي من الحي وقد بني عليها منزلين يبدوان مثل القلاع. ويحتاج الوصول الى هناك لقيام جنود حرس الحدود بفتح بوابة الجدار ومرافقة المستوطنين على امتداد الجدار حتى المنازل. وعلى الاسطح حراسة على مدار الساعة ونحن الذين ندفع ثمن هذه الحراسة، حيث أن الدولة تمول حراسة الاستيطان اليهودي في شرقي المدينة بخمسين مليون شيكل سنويا.

ست عائلات تقطن في الموقع الاستيطاني كدمات تسيون. جاؤوا الى المكان قبل خمس سنوات وهم يأملون بأن يقام حي يهودي في الموقع في يوم من الايام. وفي الوقت الحالي وجد المستشار القضائي للبلدية يوسي حبيليو مخالفات بناء في المنزلين المبنيين ولذلك يقوم بعرقلة المشروع كله: بيلغ واتباعه يدعون طبعا ان هذا تعرض مقصود لهم. وهم يريدون ربط ابو ديس براس العامود لانشاء تواصل يهودي على طريق جبل الهيكل. قبل عشر سنوات سيطر ماتي دان وارييكنغ واتباع عطريت كوهانيم بواسطة اموال موسكوفيتش على مبنيين عند مدخل راس العامود قبالة دير ابراهام. وقد أثارت المستوطنة الصغيرة ضجيا في العالم وجرت المتظاهرين الى المكان من كافة اجراء العالم. واليوم تقطن في هذا المجمع اليهودي خمسون عائلة وعما قريب ستنضم اليها ستون عائلة اخرى في المنزل الاخر. وبالمناسبة هناك فيلا في احد المباني معروضة للبيع بـاثنين ونصف مليون دولار، وفيها شرفة تطل على جبل الهيكل.

في حي الطور حيث المبنى الاستيطاني المسمى بيت هحوشن من الجانب الاخر من جبل الزيتون يرفرف علم. هذا ليس مجرد علم طوله اربعة أمتار وعرضه متران، إنه احد المنزلين اليهوديين الموجودين في الحي العربي الذي يبلغ تعداد سكانه 20 الف نسمة. سبع عائلات يهودية تقطن في هذا المنزل وعلى مسافة غير بعيدة من هناك المعهد الديني بيت اوروت. ومن هناك يمكنك ان تشاهد قبة الصخرة قبالتك. وقد قام بنيامين نتنياهو واعضاء كنيست من الليكود بزيارة المكان قبل اسبوع من الانتخابات وهناك وعد نتنياهو بالحفاظ على وحدة المدينة حيث كرر وعده ذاك في هذا الاسبوع ولكن في هذه المرة كتخريجة لخصام دولي جميل مع اوباما.

العلم الضخم يثير جنون المواطنين العرب في المنطقة الذين يكنون عداء لا يوصف للمستوطنين الجدد. صفية ابو الهوى تتجول بجانب المنزل وتدعي بانها طردت منه مع ابناء عائلتها فاضطرت الان للاقامة مع امها في منزلها المجاور. والسكان هناك يوجهون السباب والشتائم لجيرانهم غير المرغوبين والجلبة في المكان كبيرة. ولا يبدي المسؤولون في جمعية العاد التي اشترت المنزل أي استغراب من رد فعل العرب في المكان، فعلى حد قولهم على السكان العرب الذين باعوا منازلهم ان يقولوا للسلطة الفلسطينية بأنهم قد اخرجوا بالقوة حتى لا يصدر بحقهم حكم بالاعدام. من الصعب التصديق بأن كل العرب قد اخرجوا من منازلهم بالقوة. وكذلك من الصعب التصديق بانهم قد باعوها طواعية.

لماذا التقسيم؟

في شهر حزيران (يونيو) الماضي اجرى رئيس الوزراء المنصرف ايهود اولمرت مقابلة مع كيفن فرايم من الواشنطن بوست. اولمرت قال بانه عرض على ابو مازن ابقاء الحوض المقدس من دون سيادة تحت اشراف لجنة دولية تشمل السعودية والاردن واسرائيل والفلسطينيين والولايات المتحدة. بكلمات اخرى: اولمرت اقترح التنازل عن سيادة اسرائيل في البلدة القديمة وحائط المبكى وجبل الهيكل وكنيسة القيامة وجبل الزيتون ومدينة داود وتسليمها للجنة تكون للدول العربية اغلبية فيها، لكن ابو مازن لم يقبل الاقتراح لان الفجوات على حد قوله كانت كبيرة جدا.

في داخل البلدة القديمة تجدون اكبر استيطان يهودي. الف شخص يقطنون في الشوارع العمرانية الجميلة وازقة الحي الاسلامي وحارة النصارى ويدرسون في المعاهد الدينية المجاورة وخصوصا "عطيرت كوهانيم" و"شوفو بنيم" وكلتاهما على مسافة خطوات من حائط المبكى. احتمالية اقامتهم تحت سيادة عربية غير قائمة. واحتمالية انتزاعهم من هناك غير قائمة ايضا. ان ارادوا تقسيم البلدة القديمة بين اليهود والمسلمين فمن الواجب تقطيع عدة مبان الى عدة اجزاء. في بيت فيتنبيرغ في شارع الواد مثلا تقطن حتى اليوم عائلة القواسمي العربية مع ابنائها بين العائلات اليهودية التي دخلت الى المبنى.

ثمان عائلات يهودية تقطن في بيت فيتنبرغ البيت الذي اشتراه اريل شارون سابقا. على السطح وضع السكان عددا من الالعاب للاطفال وسموا هذه الحديقة المبتدعة "حديقة ليلي" على اسم زوجة شارون. وفقا لنشطاء في جمعية عطريت كوهانيم، فإن ماتي دان ورفاقه يمتلكون عشرات المنازل التي اشتروها او تجري مفاوضات متقدمة حولها مع القاطنين الفلسطينيين. وبين الحين والاخر يعلنون عن عملية الشراء وفقا للاجواء الدولية والوطنية. في نيسان (ابريل) الماضي دخلت عائلة يهودية الى بيت في الحي الاسلامي واندلعت اعمال شغب عنيفة في المكان لتقوم الشرطة بتنفيذ اجراءات اعتقالية.

في يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع ضجت البلدة القديمة. هذه بداية الشهر وآلاف الاشخاص يقومون بجولة البوابات التقليدية. في معهد عطريت كوهانيم ساد شعور بالعيد. الحاخام شلومو افينر رئيس المعهد الشخصية شبه الاسطورية في الجمهور المتدين الوطني والاب الروحي لماتي دان واتباعه يقول "يتوجب التصرف بحكمة"، "نحن لسنا وحدنا ولكن علينا ان لا نخشى من القول ان القدس لنا".

س. الادارة الاميركية تتحدث عن تقسيم المدينة بين احياء يهودية وعربية؟

ج. اولا على اوباما ان يقسم نيويورك وسنرى ما سيفعل حينئذ. هناك احياء لا يمكنه الدخول اليها بالمرة. في كل مكان في العالم خلافات عرقية. في بلجيكا يقطن البلاميون والفلاونيون وفي اسبانيا هناك اعراق مختلفة فلماذا التقسيم قل لي بالله عليك.

س. اليهود والعرب لا يريدون الاقامة في تداخل مع بعضهما البعض؟

ج. أوكي، للعرب 21 دولة فلماذا سيرغبون بنا ايضا؟ حقا انهم يفتقدون لروح الدعابة.

س. أي مستقبل تتوقعه للبلدة القديمة؟

ج. نحن الان الف شخص هذا ليس كثيرا ولكنه هام. هل تذكر مشروع روجرز؟ غولدا مائير قالت انها غير مستعدة لقبوله. هددوها بعدم ارسال السلاح فقالت لهم سنعيش ونرى. في اخر المطاف ارسلوا كل شيء. ذات مرة قلت للتلاميذ: غولدا مئير هي رجل. الا انهم اصلحوا ما قلته وقالوا لي انها امرأة، فقلت صحيح عفوا لقد اخطأت.

ويجمل اليشع بيلغ بالقول: "ليس هناك توقيت اكثر ملاءمة لتعميق الاستيطان اليهودي في شرقي المدينة من هذه اللحظة حيث ان نتنياهو هو رئيس الوزراء ونير بركات هو رئيس البلدية ومجلس البلدية يدرك الاهمية. يتوجب استغلال السنوات القريبة لدق اوتاد في كل مكان حتى لا يتمكن أي اوباما من اخراجها". نهاية الاقتباس وربما ايضا نهاية مشاريع التقسيم.