الاعتصام المفتوح.. حرب مفتوحة

إن إصرار الحركة الإسلامية، ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي من خلال مسمى الحركة الشبابية، على إقامة اعتصام مفتوح في مكان ما لا يزال سريا حتى اللحظة (مساء أمس)، يرقى إلى إعلان حرب مفتوحة على الدولة والمجتمع في آن واحد، ويتنافى مع النهج المعتدل للحركة الإسلامية الأردنية، والذي كنا دوما نأخذه مثالا وأنموذجا أردنيا لتعايش الإسلام السياسي والديمقراطية والحداثة. اضافة اعلان
لقد ساهمت الحركة الإسلامية في الشهور الماضية التي شهدت حراكا سياسيا غير مسبوق بشكل مسؤول، مع كافة الأطراف السياسية، في الدفع والمطالبة بالإصلاح السياسي. ولا شك أيضا أن مواقفها أثرت النقاشات السياسية في هذا المجال.
وبعد أن وضعت الدولة والحكومة خريطة طريق للإصلاح السياسي تستجيب لما يشكل "إجماعا وطنيا" على الخطوط العريضة لمعالم هذا الإصلاح، والذي رفضت الحركة الانخراط به بشكل مباشر، وخاصة بالمشاركة  في لجنة الحوار الوطني، فلم يعد هناك من حق لأي طرف كان أن يخطف الشارع ويفرض وجهة نظره، ويحاول تغيير المسار، ويرهن المجتمع لحسابات فئوية ضيقة، ويغلب المصلحة الخاصة الحزبية على المصلحة العامة، مع التسليم بالحق في حرية التعبير وإبداء الرأي.
القضية المهمة الأخرى هي أن الإصلاح السياسي يجب أن لا يقتصر على قوانين وسياسات الدولة، وإنما أيضا يجب أن يطاول الأحزاب والقوى السياسية، وبشكل خاص حركة الإخوان المسلمين، التي هي الجهة الوحيدة المسموح لها التداخل بين الحركة الدعوية "جماعة الإخوان المسلمين" والحركة السياسية "حزب جبهة العمل الإسلامي". إن التداخل التنظيمي بين الدعوي الديني والسياسي يعطي ميزة للحركة غير متاحة لأي حزب أو تنظيم آخر، وهو غير مسموح به في أي دولة ديمقراطية. ومن الأمثلة الخطرة على هذا التداخل الفتاوى التي تصدر عن رجال دين بالشأن السياسي، كالفتوى التي تقسم المواطنين بين شهداء وكفار. لقد آن الأوان لإعادة النظر في هذا التداخل ومنع الأحزاب الدينية، والسعي لتحويل الأحزاب السياسية إلى أحزاب محترفة تمثل مصالح الناس على الأرض وليس في السماء.
إن الديمقراطية وحرية التعبير لا تعنيان الخروج على القانون أو عدم الالتزام به، لا بل العكس تماما. إن الدول الديمقراطية العريقة، والتي تسمح بكافة أشكال التعبير السياسي، لا تسمح بالاعتصامات المفتوحة التي لا تحدث إلا في دول تسودها الفوضى وعدم سيادة القانون. والاعتصام المفتوح الذي يرفض منظموه الإفصاح عن مكانه، يشكل خرقا للقانون وللأعراف الديمقراطية.
إن الحركة المنظمة للاعتصام اليوم تحسن صنعا إذا ما أعادت النظر في إقامته، واستمعت إلى الصوت العقلاني للقوى السياسية المقاطعة للاعتصام، واستمعت إلى القوى السياسية الأخرى الموجودة على الساحة. لقد شهد الأردن في الشهور الماضية أكثر من ألفي مظاهرة واعتصام وإضراب، كانت سلمية الطابع وحضارية السلوك من قبل كافة الأطراف، وهذا مؤشر نضج سياسي لدى المعارضة والدولة على حد سواء.
إن الإصرار على إقامة الاعتصام المفتوح يشكل خروجا على قواعد اللعبة الديمقراطية السلمية، ويشكل استفزازا للدولة والمجتمع، وإضرارا بالمصلحة العليا للدولة، وقد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.