الاعتقالات مرة أخرى في الأردن

نضال منصور عادت الاعتقالات إلى المشهد في الأردن لتخدش الكلام عن الإصلاح، وبغض النظر عن أسباب، ومبررات عمليات التوقيف، فإن الحكومة لم تنجح في الاختبار بالإيفاء بالتزاماتها، وتعهداتها ألا يتكرر ذلك. قبل أشهر قليلة حدثت عمليات اعتقال على خلفية احتجاجات ضد إعلان النوايا « الكهرباء مقابل الماء»، الذي وقعته الحكومة مع إسرائيل، وحينها أوقف طلاب جامعات، ونشطاء، وفرض للإفراج عنهم كفالات مالية باهظة، ووزعوا على مراكز احتجاز بعيدة عن أماكن سكنهم، وساد حديث وأسئلة بين الناس أبرزها؛ كيف تريدون إنجاز إصلاح سياسي، والتحول لحكومات برلمانية، والحكومة لا تُطيق، ولا تحتمل حق الناس في التعبير والاحتجاج! تتكرر الاعتقالات وما يصاحبها من مداهمات أمنية غير مبررة، رغم أن الملك أوعز قبل أسابيع النظر في القضايا والأحكام الصادرة بتهمة « إطالة اللسان»، وهو ما حدث فعلا، وهو مؤشر على أن رأس الدولة يستشعر التحديات التي تتعرض لها الحقوق والحريات في البلاد، وبالتأكيد فإن الأردن في المؤشرات الدولية يتراجع، وهذا نقوله ليلا نهارا، ولا أعرف متى ستتحرك الحكومة، إن لم تأخذ إجراءات فورية الآن، بعد أن صُنفنا بدولة «غير حرة»، وبعضهم اعتبرنا «دولة قمعية»؟ أحسن المركز الوطني لحقوق الإنسان بإصدار بيان واضح لا لبس فيه يدعو إلى الإفراج الفوري عن ناشطين، وحراكيين جرى توقيفهم، وطالب بضمان حماية حرية الفرد في ممارسة حقه في التعبير عن رأيه بمختلف الصيغ والأشكال، بما فيها الكتابة، والنشر، والتعليق، والتجمع السلمي. وفي التفاصيل، شدد المركز الوطني على ضرورة التقيد بالمعايير الدولية، وتحديدا المادة 114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي أكدت أن التوقيف تدبير استثنائي، ولا يكون إلا وفق مبررات، وضوابط معينة. يرى المركز الوطني لحقوق الإنسان – وهذا مهم جدا- أن ضمان حرية التعبير يدعم الاستقرار، والأمن، والتعددية، ويدعم حيوية المجتمع وفعاليته. وذكّر المركز الوطني أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان أكدت أنه لا يجوز أن يكون الاحتجاز، أو التوقيف هو القاعدة العامة، كما أن عملية التوقيف تتنافى مع المبدأ الدستوري» قرينة البراءة». ما طالب به المركز الوطني لحقوق الإنسان أكدت عليه هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني «همم» في بيانها بضرورة الإفراج الفوري عن كافة الموقوفين على خلفية ممارستهم لحقهم في الرأي والتعبير. وشددت «همم» على مسؤولية السلطات بالامتناع في كافة الأوقات عن اللجوء إلى استخدام القوة المفرطة أثناء عمليات القبض، والمتابعة، وبضرورة الالتزام بمبدأ حكم القانون، وتبني سياسات لمنع التجاوز على الحقوق والحريات. الحكومة لم تقف صامته بعد حديث الاعتقالات، وصرح مصدر مسؤول «بأنه جرى إلقاء القبض على 10 اشخاص في المحافظات بناء على إجراءات قانونية لا تتعلق بأي نشاط، أو توجهات سياسية». وتابع «إلقاء القبض جاء بناء على طلبات قضائية بتهم منها، إذاعة أنباء كاذبة من شأنها إثارة النعرات، وجرى تحويل المقبوض عليهم إلى المرجعيات القضائية المختصة وفقا لأحكام القانون، وأن القضاء النزيه صاحب الكلمة الفصل». بالتأكيد لا اعتراض على سيادة القانون، والمشكلة في الأساس في المواد القانونية التي أهدرت الحقوق الدستورية، دون أن تلتفت لنص المادة 128 من الدستور، والتي تنص صراحة أنه لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر على جوهر الحقوق، أو تمس أساسياتها. المشكلة التي يتحدث عنها المركز الوطني لحقوق الإنسان، وكذلك «همم» أكبر تحالف حقوقي لمؤسسات المجتمع المدني، وترد في التقارير الدولية هي المواد القانونية التي تُصاغ بشكل فضفاض، وغير منضبط، مما يُعطي السلطة فرصة للملاحقة، والتوسع في التجريم لأفعال تندرج ضمن الحقوق التي لا يجوز النيل منها.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان