الاعتماد على الذات وأولوياتنا

يبدو الاعتماد على الذات سبيلا أوحد للاقتصاد الاردني بغية التخلص من كل التشوهات التي لحقت به خلال العقود الماضية، ولكن هذا المبدأ يستلزم إعادة إطلاق الاقتصاد على نحو يتطابق مع الأولويات الوطنية وفق نسق منضبط إلى أبعد حدود الانضباط.اضافة اعلان
ما توصلت إليه اللجنة المالية والاقتصادية لمجلس النواب في نقاشاتها حول مشروع الموازنة كان مطلبا سابقا، لكنه يبقى مطلبا فضفاضا إن لم ترافقه جراحة حقيقية لهيكل بناء الموازنة وبما يعيد هندسة الموازنة وفقا لمقتضيات ما يحتاجه الناس فعلا، لا ما تراكم من تشوهات أدت الى التوسع في الانفاق الجاري وفتح المجال من دون اي معايير لما تشكله نفقات القطاع العام بشكل أوسع من إجمالي ما يحققه الاقتصاد.
ألمح صندوق النقد الدولي غير مرة إلى أن نسبة ما يستنزفه القطاع العام من إجمالي الاقتصاد عالية مقارنة بما تنفقه دول تشابه في وضعها الاقتصادي الاردن، وظلت هذه النسبة في ازدياد مطرد حتى اصبحت الموازنة مقيدة بهيكل انفاق يتسع سنة إثر اخرى. وتعامل المخططون الرسميون مع هذا التراكم بوصفه قدرا محتوما لا يمكن تغييره، وانتهى الأمر إلى ما نحن عليه الان من اوضاع اقتصادية قاسية ومرشحة لمزيد من التدهور اذا بقي الحال على ما هو عليه.
مجموع ما انفقته الدولة خلال العقد الماضي ارتفع بنسبة 130 %، وهو ما يؤشرعلى أن اتجاه الانفاق الصعودي سيقود الى نتائج كارثية في حال استمر على منواله هذا، وفي المقابل اطلقت الدولة العنان للاستدانة بشقيها الداخلي والخارجي بعد ان اعتذرت جهات خارجية كثيرة عن المضي لمزيد من الديون، وأمسى صعبا على الحكومة أن تتوسع في الاستدانة من البنوك المحلية وبما يؤكد ان ملف المديونية هو الاثقل والاكثر خطورة والذي تحمله الحكومات واحدة تلو اخرى من دون أن تتحقق أي خطوات تعد بمستقبل افضل.
الاعتماد على الذات كما يطلب النواب يقتضي ان نعيد التفكير في حصة كل القطاعات الاقتصادية من الموازنة، واكثر من ذلك اعادة البحث جديا في موازنات عديدة، وبما يسمح بتوسيع حصة الصحة والتعليم على حساب موازنات أخرى تتضخم مع الوقت ولا تخضع لاي ملمح من ملامح الشفافية في الكشف عنها.
أجمل ما في الربيع العربي أنه فتح الملفات كلها وأعاد طرح الأسئلة على نحو جاد وفاعل، فمن غير الممكن أن تبقى موازنات الدفاع – على سبيل المثال – في العالم العربي تحظى بكل تلك السرية بينما تتناقص موازنات الصحة والتعليم وبما يجعل المنتج النهائي عرضة للاهتراء الدائم وفقا لأنساق غير فاعلة وسط ضياع التخطيط وانعدام المخرجات بسبب العبث في التعامل مع المدخلات.
مبدأ الاعتماد على الذات وضبط الموازنة بما يتناسب وحجم البلاد هو السبيل الأمثل للتخلص من العيوب التي لحقت بالاقتصاد وموازنات الدولة، ويمهد الطريق لجعل الخطط الاقتصادية قابلة للتحقيق وذات مردود حقيقي تجاه حياة الناس. ولقد تكرر السؤال في السنوات الماضية عن سبب عدم شعور المواطنين بنمو الاقتصاد، والجواب يكمن في أن اولوياتنا ليست متجهة بشكل مباشر لتحسين حياة المواطنين بقدر ما كان المخططون يفكرون بتوسيع الانفاق العام على حساب كل شيء.
حان الوقت لضبط الإنفاق العام ولبناء هيكل للموازنة قابل للتطور  ولوضع حد لتهديد المديونية.