الاقتصاد الأردني.. مؤسسات فردية

إبراهيم سيف

في ظل جائحة كورونا وتعطل العديد من الأنشطة الاقتصادية وحاجة الكثير منها لمساعدات مالية للحفاظ على استمراريتها في السوق تبين ان هناك فجوة كبيرة في عدد من المنشآت يمكن الاستدلال عليها من خلال النظر الى قواعد البيانات في ثلاث مؤسسات رسمية هي الإحصاءات العامة، الضمان الاجتماعي ودائرة مراقبة الشركات في وزارة الصناعة والتجارة.اضافة اعلان
كل جهة من الجهات أعلاه تظهر ارقاما مغايرة عن الأخرى في دلالة واضحة على ان هناك تسربا كبيرا وخللا في كيفية قراءة البيانات المتاحة لتحديد عدد المنشآت وكيانها القانوني ونشاطها التجاري، بطبيعة الحال فإن الإطار الأوسع لتوفير البيانات هو تعداد المنشآت الاقتصادية الصادر عن دائرة الإحصاءات الذي يشمل المؤسسات العاملة فعليا كافة وليست المسجلة والذي يظهر ان عدد المنشآت بنهاية العام 2018 بلغ 167519 منشأة تشمل كافة القطاعات، ومعظم تلك المؤسسات فردية بنسبة تقترب من 90 في المائة من اجمالي المؤسسات العاملة وهناك عدد قليل من المؤسسات مساهمة عامة او شركات تضامن او مساهمة خاصة، مما يعني ان النمط الغالب على الشكل القانوني فردي وعائلي ويبتعد عن المؤسسية، رغم التعديلات القانونية والمحاولات العديدة لتشجيع تسجيل شركات ومؤسسات غير فردية يمكن ان تنمو وتكبر، وهذا النمط من التسجيل يبرر المعاناة التي تواجهها هذه الشركات وضعف قدرتها على النمو او التوسع او الدخول في شراكات جديدة يمكن ان تسهم في الاطار الأوسع لتحسين الكفاءة الإنتاجية وبالتالي المنافسة وارتياد أسواق تصديرية والتي تشكل احد الأهداف الاستراتيجية في الأردن.
ومن اجمالي عدد المؤسسات العاملة يوجد حوالي 53 ألف شركة مسجلة في الضمان الاجتماعي وبنسبة تبلغ حوالي 31 في المائة من اجمالي عدد المنشآت العاملة، مما يعني ان غالبية المنشآت غير خاضعة لقانون الضمان الاجتماعي، وهذا يثير التساؤل حول التغطيات التأمينية التي تتمتع بها المؤسسات غير المسجلة في الضمان، فهي معرضة للتهديدات ومن الواضح انها لا تمتلك القدرة للحصول على تسهيلات من البنوك التجارية بسبب عدم امتلاكها لسجلات ودفاتر محاسبية تمكن البنوك التجارية من دراسة أوضاعها وبالتالي توفير سيولة ربما تكون بأمس الحاجة اليها، وإذا أخذنا ارقام الشركات كما في سجلات دائرة مراقبة الشركات سنخرج برقم ثالث يزيد من الحيرة ويجعل من الصعب قراءة كيف تعمل المنشآت الأردنية؟ وما الحجم الحقيقي لمساهمتها في الناتج المحلي؟، وما عدد المنشآت التي يمكن ان تصنف على انها جزء من القطاع غير الرسمي؟.
كل ما سبق يشير الى ضرورة النظر بشمولية إلى آليات عمل الاقتصاد وسهولة التسجيل لمنشآت تمارس اعمالها بعيدا عن الضمان ودائرة الضريبة، وهذا الجزء من الاقتصاد الأردني لا نعرف عنه الكثير، ولا نستطيع سوى الاستدلال على طبيعة نشاطاته، ولكنه ليس ضمن حسابات العاملين في القطاع الرسمي، فمشتركو الضمان من القطاع الخاص عددهم اقل من 700 ألف مشترك، وهذا الرقم يترك حوالي نصف مليون اردني دون هذه المظلة، ويترك عددا كبيرا من المؤسسات الصغيرة دون أي حماية اجتماعية.
من دروس كورونا المهمة التحوط واتخاذ قرارات بناء على معطيات حقيقية، وكذلك ضرورة النظر ليس الى المؤسسات التي نعرفها فقط، بل الى ذلك الجانب الخفي او اقتصاد الظل الذي لا نعرف عنه الكثير ولكننا لا نتخذ أي إجراءات لدارسته وفهم صيرورة عمله وكيف يتعايش مع الظروف المستجدة؟.