الاقتصاد الأردني وثقة المواطنين

تجمع مختلف مدارس التفكير الاقتصادي العالمية على أن ثقة المواطنين – مستهلكين ومستثمرين – في الاقتصاد، لا تقل أهمية عن أدوات التحفيز التقليدية المتعارف عليها في دعم وتعزيز الاقتصاد، بل تفوقها من حيث القدرة على الخروج من الأزمات الاقتصادية.اضافة اعلان
نسوق هذه الحقيقة، لنؤكد التفات كبار المسؤولين الحكوميين وراسمي السياسات بشكل عام وليس الاقتصادية فقط لهذا العامل وأهميته في مواجهة التحديات التي يعانيها اقتصادنا الوطني بأبعادها المختلفة.
طبيعة الأزمة الاقتصادية في الأردن مركبة قبل دخول جائحة كورونا التي زادتها عمقا وتعقيدا، فنحن ومنذ سنوات نعاني تنامي مستويات الفقر افقيا وعموديا، ومعدلات بطالة مرتفعة، ومختلف (المحفزات) الحكومية المعلنة لم تدفع عجلة النمو الاقتصادي لتجاوز حالة التباطؤ التي نعيشها منذ ما يقارب السنوات العشر الأخيرة.
حالة الثقة تقوم على إحساس المواطنين – مستهلكين ومستثمرين – بأن المؤسسات الرسمية تجهد لتجاوز الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لصالحهم، وليس لصالح فئة محدودة منهم، وهذه الثقة تتعزز عندما يشعر المواطنون أن الحكومة بمؤسساتها المختلفة تستمع لهم.
ان الثقة الزائدة لدى العديد من كبار المسؤولين الحكوميين بأن ما يقومون به – لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – أقرب للعزلة منها الى الثقة، لأن الثقة التي نتحدث عنها، لا تقاس بمدى احساس الحكومة – مؤسسات وأفراد – بصواب سياساتها واجراءاتها، بل بمستوى إحساس المواطنين وثقتهم بالسياسات والإجراءات الحكومية.
الثقة المبالغ فيها لدى العديد من كبار المسؤولين الحكوميين، تحمل الكثير من عوامل تقويض ثقة المواطنين في الاقتصاد والسياسات والاجراءات الحكومية، لأنهم يعيشون أحوالا اقتصادية واجتماعية وسياسية بعيدة كل البعد عن الخطاب الإعلامي الحكومي.
هذا المستوى المتدني من الثقة الذي نعيشه الآن، وهذه الفجوة المتنامية بين الخطاب الرسمي والواقع، هي نتاج عمل الحكومة المتواصل على تجميل الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب منذ أكثر من عامين، بدءا من اصلاح النظام الضريبي غير العادل – الذي أقرت به الحكومة قبل عامين- والارتفاعات الكبيرة في معدلات البطالة، وتقلص مساحة حرية نقد السياسات العامة، والتهديدات الحكومية المبطنة لمراقبي الأداء الحكومي من مواطنين واعلاميين وسياسيين لعدم التشكيك في الخطاب الحكومي - الصحة والتعليم مثالا، وغيرها اسهمت في تعميق فجوة الثقة.
ان هذا المستوى المتدني من ثقة المواطنين تجاه الحكومة وسياساتها، سيكون له آثار سلبية كبيرة جدا على حالة الانكماش الاقتصادي الذي دخله اقتصادنا الوطني، وسيطيل أمده وسيعمقه، ما سيكون له تداعيات ملموسه على زيادة الفقر وتعمقه، وعلى زيادة معدلات البطالة، وسيؤثر سلبا في مستويات الاستقرار الاجتماعي.
الضرورة تقتضي في هذه ظل هذه الأوضاع الصعبة، احداث انفراج على عدة مستويات أهمها على المستوى السياسي، تعيد بعض الثقة، وتدفع عجلة تناميها - خاصة أننا على أبواب انتخابات نيابية – تستطيع أن تقنع غالبية المواطنين أن مشاركتهم في الحياة العامة ذات جدوى، وتعيد بعض التفاؤل الذي فقدنا منه الكثير، وتجنبنا مخاطر غير محسوبة.