الاقتصاد العالمي: "التشاؤل" سيد الموقف

ما بين مفهوم "التشاؤل" الذي نحته أميل حبيبي قبل ما يقارب نصف قرن، ومقولة أنطونيو غرامشي التي وضعها قبل ما يقارب مائة عام "تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة"، تأتي مختلف التوقعات الاقتصادية لعام 2021.اضافة اعلان
تقترب التوقعات الاقتصادية المستقبلية من توقعات المنجمين "الفلكيين" الذين ننتظرهم في بداية كل عام للتعرف على ما يخبئه لنا المستقبل.
وكمراقبين لمسارات تطور الاقتصاد العالمي والإقليمي والمحلي، نضيع في حالة عالية جدا من الضبابية، فالظاهرة الاقتصادية تخضع لعشرات المؤثرات -المتغيرات- دائمة الحركة.
ولأننا محكومون بالتفاؤل، باعتباره الخيار الوحيد الذي يمكننا من الحياة، فإن ارادتنا متفائلة بالمستقبل، بالرغم من أن مختلف المعطيات على أرض الواقع تقاوم ذلك، وتفرض على العقل أن لا يفرط بهذا التفاؤل، كي لا نقول أن يتشائم.
تتراوح مؤشرات التفاؤل والتشاؤم لمستقبل الاقتصاد العالمي ما بين استمرار تأثيرات وباء "كورونا المستجد"، ونشوء سلالات جديدة منه، وبين انحساره الناجم عن توزيع اللقاحات على نطاق واسع في مختلف دول العالم. ولا تقل أهمية عن ذلك طبيعة استجابات الحكومات المختلفة لمواجهة حالة الانكماش الاقتصادي التي ضربت مختلف الاقتصادات العالمية.
وما بين الإرادة المتفائلة بكل ما هو قادم، والواقع المتلبد يأتي "تشاؤل"، معظم التوقعات لمستقبل الاقتصادي العالمي لعام 2021، فتوقعات المؤسسات الاقتصادية العالمية والخبراء الاقتصاديين تتغير بشكل دائم، بسبب الحركة المستمرة في العوامل المؤثرة على مسارات تطور الاقتصاد ومستقبله.
وفي هذا السياق نستطيع القول إن جزءا كبيرا من الاقتصادات العالمية ستخرج من حالة الانكماش الاقتصادي التي دخلنا فيها خلال العام الماضي 2020، الا أن الفترات الزمنية التي تستغرقها الاقتصادات المختلفة للتعافي والخروج من منطقة النمو السالب الى منطقة النمو الإيجابي تتباين من دولة الى أخرى.
الواقع يفرض علينا أن نتعامل مع متغيرات متحركة بشكل دائم، وهي تعود الى جانب كثرتها وتنوعها، إلى التعامل مع بنى اقتصادية مختلفة، وسياسات اقتصادية متباينة، واختلاف هذه السياسات الحكومية يفرض ايقاعه على ملامح الاقتصاد في المستقبل.
وفي الوقت الذي تتخذ فيه العديد من الحكومات في العالم سياسات مالية "توسعية" لتحريك عجلة اقتصادها، من خلال زيادة الانفاق الحكومي بمختلف أنواعه وعلى وجه الخصوص الرأسمالي منه، الأمر الذي يسرع على التعافي الاقتصادي، نجد حكومات أخرى تستمر في تطبيق سياسات مالية "تقشفية"، الأمر الذي سيطيل أمد البقاء في حالة الانكماش والتراجع الاقتصادي.
كذلك هنالك حكومات في العالم تعتمد للخروج من حالة الانكماش والتراجع الاقتصادي سياسات تعزيز الطلب المحلي باعتباره أحد أهم محركات النمو الاقتصادي، حيث تعزيز قدرات المستهلكين (أفرادا ومؤسسات) على الانفاق، من خلال زيادة الأجور وتخفيض الضرائب على الاستهلاك- المبيعات- ما يسرع عملية الخروج من حالة الانكماش والتراجع الاقتصادي.
وهنالك حكومات لا تلتفت الى مسار تعزيز الطلب المحلي، وتركز على دفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال تعزيز الصادرات وتخفيف القيود على الاستثمار، وتذهب باتجاه الضغط على الأجور وشروط العمل لجذب الاستثمارات، ما يؤدي الى إطالة أمد الانكماش والتراجع الاقتصادي، وفي أحس الأحوال زيادة النمو الاقتصادي غير الشمولي الذي لا ينعكس على مختلف مكونات المجتمع.
في ضوء ما سبق، وما بين الإرادة المتفائلة والواقع الصعب، لا خيار أمامنا سوى الدفع بالعمل على تطوير سياسات تحفيزية تستند الى تعزيز الطلب المحلي، وتحقيق نمو اقتصادي إيجابي شمولي، أما التوقعات الاقتصادية التي نسمعها هنا وهنالك، فهي أقرب الى التنجيم منها الى الواقع والمستقبل.