الاقتصاد العالمي: ما تزال الصورة قاتمة

بالرغم من مرور ما يقارب عشرة أشهر على بدء تأثيرات أزمة فيروس "كورونا المستجد" على الاقتصاد العالمي، الا أن الصورة العامة لمستقبل الاقتصاد العالمي ما تزال ضبابية وقاتمة.اضافة اعلان
الحكومات في غالبية دول العالم أمام تحديات صعبة، تتمثل في الاغلاقات الاقتصادية لفترات مختلفة لحماية صحة مواطنيها وتخفيف الضغوط عن أنظمتها الصحية، وقدرتها على تحمل التبعات الاقتصادية والحمائية لهذه الاغلاقات.
أمام هذه المعادلة تتأرجح التوقعات الاقتصادية المختلفة في قراءات وتوقعات مختلف المؤسسات الاقتصادية الدولية لمسارات الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية، فالعوامل التي تؤثر على الحالة الاقتصادية تتغير بشكل مستمر.
فالعالم يعيش حالة انتظار لتطوير لقاحات مضادة لفيروس "كورونا المستجد"، حيث تتسابق مراكز البحث العلمي في مختلف أنحاء العالم على تطويره منذ عدة أشهر، في ذات الوقت الذي يعلن فيه خبراء منظمة الصحة العالمية والمراكز الوبائية العالمية عن أن آفاق السيطرة على تفشي هذا الوباء ما تزال بعيدة.
والى جانب التأثيرات العميقة لوباء كورونا على الاقتصاد العالمي ومستقبله، هنالك عوامل أخرى تلعب أدوارا مهمة في تحديد الملامح الأساسية لمسارات المؤشرات الأساسية لهذا الاقتصاد.
إذ يفصلنا أسبوعان عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، والمعطيات الظاهرة تشير الى حالة انقسام داخلي غير مسبوقة في الولايات المتحدة على المستويين الاجتماعي والسياسي، ويتوقع العديد من الخبراء الأميركيين حالة من عدم الاستقرار السياسي داخل الولايات المتحدة، لدرجة أن صحفي مخضرم بمستوى "توماس فريدمان" يعلن أن الولايات المتحدة قد تكون مقبلة على حرب أهلية ثانية، بعد غموض موقف الرئيس الأميركي الحالي "دونالد ترامب" بشأن تسليم السلطة في حال خسارته للانتخابات.
ودخول الولايات المتحدة في حالة عدم استقرار سياسي مهما كان مستواها، سيكون له آثار كبيرة على مسارات الاقتصاد العالمي المستقبلية بمختلف مفاصله.
الى جانب ذلك، ما تزال حالة الصراع بين الولايات المتحدة والصين تتخذ أشكالا متعددة، أهمها الحرب التجارية والمنافسة التكنولوجية، والتي يمكن أن تتحول الى صراع عسكري مباشر أو غير مباشر في أي لحظة، وهذا السيناريو سيكون له تبعات اقتصادية عميقة أيضا على الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية.
إضافة الى ذلك، ما يزال خبراء صندوق النقد الدولي يؤكدون أن الاقتصاد العالمي يواجه أسوأ حالة ركود منذ الكساد الكبير في بداية القرن الماضي، اذ أعلنت مديرة الصندوق عن ذلك خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين التي بدأت الأسبوع الماضي.
وهنالك قنبلة موقوتة تتربص بالاقتصاد العالمي، تتمثل بالمستويات العالية جدا للدين العام (السيادي) العالمي، والذي يزيد على 100 % من الناتج الإجمالي العالمي السنوي، وقد ازداد هذا الدين خلال العام الجاري 2020 بشكل كبير بسبب أزمة فيروس "كورونا المستجد".
يضاف الى ذلك قنبلة موقوتة أخرى تتمثل في توسع حالة اللامساواة الاقتصادية -التفاوت الاجتماعي- بين الناس وبين الدول، والتي فاقمها غياب العدالة عن النظام الاقتصادي العالمي السائد، واعتماد سياسات إعادة الهيكلة التي طبقتها أعداد كبيرة من دول العالم، وإطلاق العنان للشركات المتعددة الجنسية للسيطرة على الاقتصاد العالمي، وتخفيض شروط العمل المختلفة لصالح تشجيع الاستثمار، وأدت الى توسع ملموس في أعداد الفقراء في مختلف أنحاء العالم.
مجمل هذه المتغيرات، وحالة عدم اليقين العالية تدفع اتجاه رسم صورة قاتمة وضبابية للاقتصاد العالمي وللاقتصادات الوطنية، وسيكون لها تأثيرات صعبة جدا على الموازنات السنوية لمختلف الدول وخاصة الدول المتوسطة والفقيرة الدخل، الأمر الذي سيترتب عليه للأسف ارتفاعات متتالية وكبيرة في البطالة والفقر.