الاقتصاد ومحطات في المسيرة

في ذكرى الجلوس الملكي العشرين، محطات اقتصادية مميزة، ضمن العديد من المحطات، يمكن الإشارة إليها على أنها غيَّرت مسيرة الدولة الأردنية نحو آفاق جديدة. اضافة اعلان
مسيرة عطاء نقلت الاقتصاد الأردني من اقتصاد صغير بناتج محلي إجمالي لم يتجاوز العام 1999، وبعد 53 عاماً من الاستقلال، نحو 9 مليارات دولار، إلى اقتصاد متنامٍ مطرد ومستقر، وصل خلال العشرين عاماً الأخيرة إلى أكثر من أربعة أضعاف ما تحقّق في نحو ستة عقود مضت، ليصل ذلك الناتج إلى ما يزيد على 40 مليار دولار مع نهاية العقد الثاني من العهد الجديد.
محطات ملكية كانت تحتاج من الحكومات المتعاقبة إلى اهتمام أكبر لتحوِّل الأردن إلى ما استشرفته الرؤية الملكية من ازدهار وتقدُّم وتميُّز إقليمي ودولي.
المحطة الأولى، كانت بالتحوُّل نحو الانفتاح على العالم وربط الاقتصاد الأردني بالفضاء العالمي، بدلاً من استمرار ارتباطه وتأثره بشكل كبير هش بإقليمه الملتهب دوماً، والمتعثر منذ بداية عقد التسعينيات المنصرم. وهي محطة سعى إليها جلالة الملك بجهده الخاص وسخَّر لها كل الإمكانات، فكان انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية، وكانت اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، واتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
محطة فتحت للاقتصاد الأردني بكافة قطاعاته أسواق العالم ووضعت الأردن على الخريطة العالمية للاستثمار، واستهدفت جذب المستثمرين حول العالم إلى سوق يمكنهم من خلاله اختراق أسواق المنطقة، والعالم على حدٍّ سواء.
في هذه المحطة كان الأردن أول دولة عربية يوقع اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، وهي أول اتفاقية توقعها الولايات المتحدة حول العالم وتسمح بها باستثناء بعض السلع من الاتفاقية، خدمة لإيرادات الخزينة والبعد البيئي، كما في حالة السجائر، وحماية للمنتج المحلي، في مجال الزراعة والتصنيع.
وهي اتفاقية حوَّلت الميزان التجاري لصالح الأردن ونَمَّت التجارة بين الدولتين بعشرة أضعاف ما كانت عليه من قبل. ليت الحكومات اقتدت بها في كافة الاتفاقيات الأخرى.
المحطة الثانية، التحوُّل نحو فكر المناطق التنموية والخاصة، وكانت البداية في العقبة، التي تحوَّلت إلى منطقة خاصة، لتكون نموذجاً يُطبَّق لاحقاً في كافة مناطق المملكة، هكذا أرادت الرؤية الملكية، بأن يكون الأردن دولة منفتحة على الاستثمار وعلى التجارة والتبادل التجاري دون حواجز جمركية مع العالم، منطقة استثمارية عالمية مفتوحة، وكان التطبيق الأول في العقبة، كنموذج نطئمن إلى نجاحه ونُحلِّق به بعدها بالأردن بكافة مناطقه، وقد نجح في البداية، ولكن الحكومات المتعاقبة أخرجته من معناه ومن مبتغاه.
المحطة الثالثة، الرؤية الملكية للشراكة التامة بين القطاعين العام والخاص، رؤية تمخَّضت في خلوتي البحر الميت الاثنتين، وخلوة العقبة، والتي تمخَّض عنها مأسسة التعاون بين القطاعين عبر التوصية بإنشاء وإطلاق منتدى للسياسات الاقتصادية مشترك بين القطاعين، يجتمع سنوياً برعاية ملكية ويصل دوماً إلى حلول مشتركة لكافة تحديات الدولة.
بيد أنه لم يرَ النور على الوجه المطلوب، ومع ذلك فإنَّ الرؤية الملكية والإصرار الملكي جعلا من دور القطاع الخاص الأردني، بشقيه الوطني والأجنبي، أساس تحقيق التنمية، وكان تطوير قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، محطة من محطات دور القطاع الخاص في الأردن، ومحطة للاستثمارات الأجنيبة الناجعة، ومحطة لتشجيع الريادة في ذلك القطاع. ما قوض من الوصول الأمثل للرؤى الملكية في المحطات السابقة غياب الاستمرارية المؤسَّسية لدى الحكومات المتعاقبة.
فتمَّ توقيع اتفاقيات تجارة حرة أقل بكثير ممّا تمَّ في الاتفاقية مع الولايات المتحدة، وكانت التطبيقات في العقبة تخرج عن روح الرؤية الملكية للفكرة وللمضمون، وكانت اتفاقيات الخصخصة والتصرف بأموالها بعيدة كلَّ البعد عن مضمون تطوير القطاعات التي يتمُّ خصخصتها، أو تكوين صندوق الأجيال السيادي، الذي دعت إليه الرؤية الملكية، لخدمة طموحات الشباب ودعم أعمالها الريادية.
مسيرة العطاء الملكي تمخَّضت عن الكثير، فكانت سبع أوراق نقاشية، ومتابعات ملكية ميدانية، وعمل دؤوب، وإنجازات لا تعرف الكلل أو الملل، ولكننا بحاجة إلى من يستطيع اللحاق بتلك الرؤية، حكومات يكون ديدنها، منذ اللحظة التي تُقْسِمُ فيها اليمين الدستورية، تنفيذ التوجيهات الملكية في كتب التكليف السامي.
بدأت المسيرة منذ عشرين عاماً، وستسمر المسيرة بعون الله نحو مستقبل أفضل للأجيال الحالية والقادمة، فالأردن وأهله دوماً ينشدون "معه وبه إنا ماضون فلتشهد يا شجر الزيتون".