الاكتئاب والانتحار

o6n9rpw3
o6n9rpw3

د. أحمد ياسين القرالة

حب الحياة غريزة فطرية عند الكائنات الحية كلها مهما كانت طبيعة الحياة وبساطتها، ولم يثبت علميا إقدام أيّ من الكائنات سوى الإنسان على الانتحار، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف للإنسان بهذا الفعل أن يصادم غريزته وأن يتغلب على فطرته، وكيف لإرادة الموت أن تهزم إرادة الحياة؟اضافة اعلان
والإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر الهين أو السهل وهي تحتاج لخبراء متخصصين في هذا المجال، وما يهمنا هنا هو ما يتعلق بالنظرة الدينية والاجتماعية للمنتحر، التي تعتبره مجرماً عاصياً لدرجة أن البعض يتجنب الصلاة عليه أو يتحرج من الدعاء له والتعزية به، بينما يذهب آخرون إلى اعتباره من أهل جهنم ومن المخلدين فيها، وفي هذا تأل على الله تعالى لا يدانيه فعل المنتحر نفسه.
وتشكل هذه النظرة للمنتحر مصدر حرج اجتماعي وعبء نفسي لأسرة المنتحر وذويه مما يحملهم على إخفاء سبب وفاته ونسبتها لأسباب مرضية أخرى، كما أن فيها إيذاء بليغا لعواطفهم ومشاعرهم ينضاف إلى حزنهم وألمهم بفاجعة الوفاة، والمآل المشؤوم الذي آل إليه فقيدهم.
لقد ثبت طبيا أن معظم حالات الانتحار مرتبطة بالنواحي النفسية والوجدانية حيث يدخل الإنسان في حالة اكتئاب شديد يجعله يقدم على الانتحار وإنهاء حياته ما لم يحظ بالعناية الطبية المناسبة ويحصل على الرعاية الصحية الصحيحة، ويتناول العلاج الفعال الذي يساعده على الشفاء.
مما لا شك فيه أن الانتحار فضلا عن كونه مناقضاً للغريزة الفطرية، هو محرم شرعاً إذا كان المنتحر مدركاً لكنْه أفعاله ويعي آثار تصرفاته ومآلاتها وهو ما تدل عليه النصوص الشرعية، أما إن كان غير مدرك لكنْه هذه الأفعال وغير قادر على التكيف مع الحياة لأسباب نفسية خارجة عن قدرته وحدود سيطرته، فهذا من المتعذر دينياً الحكم عليه بالتأثيم والعصيان أو نعته بأيّ وصف يحط من قدره أو يحمله مسؤولية انتحاره ويلقي باللوم عليه في إنهاء حياته.
وإذا كانت بعض الأمراض النفسية وفي مقدمتها الاكتئاب قد تؤدي إلى الانتحار فهذا يوجب على المجتمع والدولة إيلاء هذا الموضوع أهمية خاصة والاهتمام بالصحة النفسية للمواطنين والمبادرة إلى علاج أمراضهم النفسية تماماً كعلاج أمراضهم العضوية، كما يحملنا مسؤولية أخلاقية لخلق ثقافة جديدة تجاه الطب النفسي ودوره في وقاية المجتمع من الكثير من الأمراض الاجتماعية كالطلاق والجريمة والانتحار المـتأثرة بالحالة النفسية والتي قد تكون ناشئة عنها.
المرض النفسي ليس عيباً ولا عاراً والكل معرض للإصابة به لا فرق في ذلك بين متدين وغير متدين وإنْ بنسب مختلفة، وإن التستر على هذا المرض والمكابرة في إخفائه والنظرة المزرية له لن تؤدي إلا إلى تعقيد مشاكلنا ومضاعفة أضرارها وارتفاع نسب الانتحار وزيادة المعاناة والألم.