الانتخابات الأميركية: صراع لا يعنينا!

لا يبدو أن هناك الكثير مما يعنينا كعرب في حمى الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية نهاية العام الحالي. سبب ذلك أن الحكمة/ اللاحكمة السائدة في العالم العربي، والتي يتم تلقينها حتى لـ"متخصصين" في العلوم السياسية، هي أن لا فرق أبداًَ بين الحزبين الأميركيين الجمهوري والديمقراطي؛ وأن ما يزيد على ثلاثمائة مليون أميركي قابلون لأن يكونوا موضع أحكام عامة قطعية بشأن موقفهم من كل ما يهمنا، كما بشأن ما يحملون من ثقافة وأخلاق وتوجهات دينية وغيرها. وهكذا، يكون ذلك عذراً كافياً ربما (وإن كان أقبح من ذنب) لتفسير وتبرير غياب تخصص الدراسات الأميركية في أغلب جامعاتنا العربية، ولدى كثير من باحثينا، ولاسيما من أكملوا دراساتهم العليا في الولايات المتحدة.اضافة اعلان
في العام 2001، بدا ضرورياً إحداث قطيعة مع ذاك التاريخ من الاستسهال، ولربما الجهل. ذلك أن تولي جورج بوش الابن الرئاسة في ذلك العام لفت النظر بقسوة إلى الدور المؤثر والحاسم الذي تلعبه بعض الفئات والتيارات الدينية، خصوصاً، في السياسة الأميركية، ولاسيما تجاه العالم العربي وإسرائيل والشرق الأوسط عموماً.
لكن المؤسف أن هذه القطيعة لم يتم تجسيدها بشكل مبتسر ومشوه فحسب، عبر التركيز على ما يسمى "المسيحيين الصهاينة" الذين ينتمون إلى طائفة أوسع بكثير هي "الإيفانجليكال"، بل أسوأ من ذلك أن حتى هذا الاختزال المخلّ لم يتعد أن يكون "موضة" لا أكثر؛ لم تظهر حتى اختفت أو كادت، لاسيما مع رحيل بوش الابن من البيت الأبيض.
لكن، هل يحتاج الأمر رئيساً آخر مثل بوش الابن، واحتلال بلد عربي ثان، كما حصل مع العراق، للالتفات مرة أخرى إلى تعدد التيارات السياسية الأميركية، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وداخل الحزب الواحد؟ وهل المسؤول عن صنع السياسة الأميركية هو مؤسسة الرئاسة وحدها، أم أن الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، لا يقل أهمية إن لم يكن يزيد في بعض الحالات؛ ويستحق أعضاؤه منا بالتالي معرفة خلفياتهم والمصالح التي يمثلونها، للاستعداد للقادم على الأقل، إن لم يكن الوصول إلى تحقيق حلم التأثير في السياسة الأميركية تجاه العالم العربي؟
إضافة إلى التاريخ، فإن أحد الأمثلة الحية وثيقة الصلة بمنطقتنا التي يمكن إيرادها اليوم على عدم صدق أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي "وجهان لعملة واحدة" بالضرورة، هو دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حال قررت الأخيرة مهاجمة إيران، وبما قد يفضي إلى حرب إقليمية مفتوحة على الأغلب. إذ فيما يذهب 39 % من الأميركيين عموماً، بحسب استطلاع لمعهد "بيو" الشهر الماضي، إلى وجوب دعم إسرائيل، ترتفع هذه النسبة إلى 62 % لدى الجمهوريين، مقارنة بثلث كل من الديمقراطيين والمستقلين ممن يذهبون ذات الرأي. هي مناسبة للتذكير بأننا نحتاج دراسات وتقارير عن الولايات المتحدة تكون غير مرتجلة ومصلحية خالصة؛ بمعنى تلك التي تبحث في نقاط الخلاف والاختلاف ومصادر التهديد القادم من غرب الأطلسي، تماماً كما تبحث في المنطقة المشتركة ونقاط الالتقاء، بعيداً عن أيديولوجيا العداء المسبق التي لا يمكن أن تنتج إلا أدبيات عدمية لا داعي لها طالما أنها تتناقض حتماًَ مع الفهم العلمي الحقيقي الذي نحتاجه فعلاً.