الانتخابات الرئاسية والديمقراطية: هل يكون 2022 عام الحل في ليبيا؟

الجنرال خليفة حفتر يعد أوراق ترشحه لرئاسة ليبيا - (أرشيفية)
الجنرال خليفة حفتر يعد أوراق ترشحه لرئاسة ليبيا - (أرشيفية)
عماد حسن - (دويتشه فيله) 30/12/2021 شهدت الساحة الليبية في العام 2021 الكثير من الأحداث، بعضها كان مشجعاً لتوقعات بمستقبل أفضل. ولكن بمرور الأيام واقتراب العام من نهايته، يبدو أن الحل يبتعد أكثر فأكثر مع تأجيل الانتخابات. فهل يكون العام 2022 أفضل من سابقه؟ * * * حفل العام 2021 بالكثير من المنعطفات والأزمات التي صبغت المشهد السياسي في ليبيا بصبغة ملؤها القلق، على الرغم من أن العام نفسه شهد عدداً من الأحداث التي كانت تشي بإمكانية حدوث استقرار سياسي في قادم الأيام. وقد بدأ العام بحدث مفصلي في الخامس من شباط (فبراير) 2021، حيث انتخب المشاركون في الحوار الليبي-الليبي خلال اجتماعات عُقدت في جنيف برعاية الأمم المتحدة عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة للفترة الانتقالية، إلى جانب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء. وبعدها في 10 آذار (مارس)، نالت الحكومة الانتقالية ثقة البرلمان وحلت محل حكومة الوفاق الوطني وحكومة الشرق. وفي 22 أيلول (سبتمبر) جمّد خليفة حفتر مهامه العسكرية استعداداً للانتخابات الرئاسية، ما أدى إلى سيادة أجواء من الارتياح والأمل في استمرار التهدئة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في نهاية العام، على الرغم مما أثاره ترشح رجل شرق ليبيا القوي من قلق عارم لدى آخرين. وفي أوائل تشرين الأول (أكتوبر)، اعتمد البرلمان الموجود في الشرق القانون الذي ينظم الانتخابات التشريعية، لكن المجلس الأعلى للدولة -وهو بمثابة هيئة ثانية للبرلمان ومقره طرابلس- اعترض على هذا القانون. وبعدها عدل البرلمان مواعيد التصويت على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها في 24 كانون الأول (ديسمبر). بيد أن المفوضية العليا اقترحت تأجيلها لمدة شهر، بسبب خلافات على القواعد الأساسية الحاكمة لها ومنها أهلية المرشحين ودور القضاء في الطعون. وفي الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر)، فتح باب تقديم الترشيحات للانتخابات. وتصاعدت وتيرة الأحداث مع إعلان سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر خوض الانتخابات الرئاسية ليشتعل صراع قانوني، على ضوء موقعهما الخلافي والقضايا القانونية التي تنسب إليهما. الانتخابات الرئاسية في ليبيا هي الحدث الأبرز وعلى الرغم من الدعوات المتواصلة إقليمياً ودولياً إلى ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية الليبية وتجاوز العقبات المرحلية التي قد تحول دون انعقادها، إلا أن الأجواء يعمها التشاؤم حيال إمكانية حدوث ذلك، وهو ما تأكد باقتراح المفوضية تأجيلها. ومع نهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، شكك وزير الداخلية، خالد مازن، في إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بسبب "اتساع رقعة الخروقات"، ليأتي يوم 11 كانون الأول (ديسمبر) وتعلن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا إرجاء نشر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، ما أبعد أكثر احتمال إجراء الانتخابات في الموعد المحدد في 24 كانون الأول (ديسمبر). وقبل أيام من موعد الاستحقاق، أكد العديد من المسؤولين الليبيين استحالة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بسبب عدم وجود قائمة رسمية بالمرشحين، واستمرار الخلافات بين الأطراف السياسيين حول القاعدة القانونية للاقتراع. وتسود حالة من البلبلة حول مصير الانتخابات التي اقترحت المفوضية تأجيلها لأن إجراءها في موعدها أصبح "غير ممكن"، فيما أعلن قائد ميليشيا ما يعرف بـ"لواء الصمود"، صلاح بادي، المطلوب دوليا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أنها لن تكون هناك انتخابات رئاسية في الموعد المقرر. ويدور نقاش في البرلمان، المتمركز في شرق ليبيا والمنتخب في العام 2014، حول مدة تأجيل الانتخابات وما إذا كان من الممكن بقاء حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة ورئيسها عبد الحميد الدبيبة، المرشح للرئاسة. وشددت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، على أن تفويض حكومة الوحدة الوطنية ما يزال قائما. وقالت وليامز إن ذلك يرجع إلى البرلمان، ولكن "ينبغي أن ينصب الاهتمام بشكل رئيسي على إجراء الانتخابات". وأضافت أن أي تغييرات على الحكومة يتعين أن تجرى وفقا للقواعد التي أرستها الاتفاقات السياسية السابقة التي حظيت باعتراف دولي. وكان سبعة عشر مرشحا للانتخابات الرئاسية الليبية قد دعوا المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى تزويدهم بتفسيرات لأسباب عدم إجراء الاقتراع في الموعد المحدد، ما شكل اعترافا ضمنيًا بأن ليبيا لن تشهد انتخابات رئاسية في 24 كانون الأول (ديسمبر). "اختيار بائس بين مرشحين يدعمون الفوضى" في مقال له نُشر في صحيفة "تايمز" البريطانية، قال ريتشارد سبنسر، مراسل شؤون الشرق الأوسط، إن "الانتخابات الرئاسية الليبية تمثل اختيارا بائسا بين مرشحين يدعمون الفوضى"، منتقداً ما أسماه بمساعي "مجموعة من الفاسدين والمجرمين الباحثين عن السلطة، والتي قد تدفع ليبيا التي مزقتها الحرب إلى منعطف درامي في مسيرتها نحو تحقيق الاستقرار والسلام -خاصة وأن بينهم متهمين بارتكاب جرائم حرب". ويرى مراقبون للشأن الليبي أن الفشل في إجراء الانتخابات غالباً ما سيؤدي إلى اندلاع دائرة جديدة من العنف، خاصة إذا رفض أحد المرشحين للرئاسة قبول النتيجة ولجأ إلى استخدام ميليشياته المسلحة، وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق في بلد يسبح في بحر من المرتزقة وتتداخل فيه المصالح الإقليمية والدولية. ردة عن حلم الديمقراطية ويقول سامي حمدي، العضو المنتدب للشركة العالمية للمخاطر والاستخبارات "إنترناشيونال إنترست" إنه نظرا لسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ليبيا، بدأ كثير من الناس يفكرون في اتجاه آخر. واستشهد بعدد من الفيديوهات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص يعتذرون لمرشحين قد يرونهم الأفضل لخوض سباق الرئاسة، ويقولون إنهم سيختارون شخصاً كسيف الإسلام القذافي للمنصب الرفيع "لأن القذافي يمثل العودة لذلك الأمن والاستقرار"، بحسب ما قال في حوار. ويعتقد حمدي أن مثل هذا النوع من الرسائل هو ما يلعب عليه شخص مثل القذافي من خلال محاولة تذكير الليبيين بالماضي حين كانت البلاد مستقرة، مداعباً حنين الناس إلى تلك الفترة، حيث "لا حقوق ولا حريات بل أمن واستقرار.. هذا ما يحاول سيف الإسلام القذافي تقديم نفسه من خلاله". وأشار الخبير السياسي، في مقابلة له، إلى أن التفكير في هذا الاتجاه ليس بجديد، مستشهداً بما حدث في تونس "حيث يدعم الكثير من المواطنين تعليق العمل بكثير من مواد الدستور وتجميد دور المؤسسات المنتخبة بهدف الوصول إلى الأمن والاستقرار وتحسن الاقتصاد، خاصة وأنهم يرون أن وعود الديمقراطية لم تحقق أحلامهم حتى الآن"، مضيفا أننا "نشهد هذه الموجة من تراجع الأمل في الديمقراطية في المنطقة والكثير من خيبة الأمل بشأنها". ماذا عن الغد؟ كان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، قد أكد قبل أيام أن سبب عدم التوصل إلى حل للمشكلة الليبية هو "الانقسامات على الأرض، والتدخلات الخارجية، ووجود المرتزقة". وأضاف أبو الغيط في تصريحات لقناة "سكاي نيوز عربية" أن "المسرح الليبي يمر بانقسامات شديدة للغاية بين مختلف المناطق إلى جانب وجود الميليشيات، إضافة إلى التدخلات الواضحة من أطراف إقليمية تضع قواتها ونفوذها على الأرض". ويرى سامي حمدي، العضو المنتدب للشركة العالمية للمخاطر والاستخبارات في لندن، أن الانقسامات بين الليبيين عميقة للغاية وصارخة، كما أن المظالم عميقة، ما يصعِّب من إمكانية المصالحة الوطنية ويجعلها بعيدة المنال. وقال حمدي إنه من الصعب للغاية إجراء الانتخابات، خاصة مع غياب الإجماع السياسي داخل ليبيا على إنجازها، وهو العنصر الذي يفترض أن له قوة الدفع الأكبر لإنجازها، "فمن دون الإجماع السياسي، ومن دون أن تتمكن الفصائل الليبية على الأقل من الجلوس معًا على طاولة واحدة، لا يمكن إجراء الانتخابات، وقد يصبح الخيار الوحيد هو الحرب". ويرى الخبير السياسي أنه "ربما لهذا السبب وغيره أدرك الفاعلون الدوليون، ومنهم الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيش، المبعوث الدولي -المستقيل- للأمم المتحدة، وستيفاني ويليامز، المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون ليبيا، الحاجة إلى مشاركة حفتر في العملية السياسية، حتى على الرغم من رفض قطاع عريض من الليبيين مشاركته، لكني أعتقد أن الجميع يدرك أن المصالحة الوطنية يجب أن تأتي أولاً، وهو الأمر الغائب في ليبيا، على الأقل في المدى المتوسط القريب". ولم يستبعد الخبير في الشأن الليبي سيناريو الحرب الأهلية، "خاصة مع ما نراه اليوم من استعراض للقوة من جانب الميليشيات التي أصبحت تعبر عن نفسها ووجودها بكل وضوح وصراحة وتحاول التمركز في المشهد السياسي". ويضيف مجدي أنه ليس بالضرورة أن تنتج عن مثل هذه المشاهد وأمور كمحاصرة المحاكم ومنشآت الدولة حرب أهلية، لكنها تبدو كإشارة على ما يمكن عمله أو المدى الذي قد يصل إليه هؤلاء. "يبدو هذا كمن يقول: ’اسمع.. لدي القدرة على تدمير العملية السياسية برمتها. لذلك أعطني مقعدًا أفضل على الطاولة. أعلم أن هناك عملية سياسية قادمة هذه المرة. لا تجلسني في المقاعد الخلفية.. أريد مقعداً في الصف الأمامي بجوار حفتر، بجوار الدبيبة‘". ويختم حمدي حديثه بالقول: "أعتقد أن المجتمع الدولي يقوم الآن بمسح المشهد في ليبيا ليرى من هم الأقوياء على الساحة، وسيتعامل مع الوضع في ليبيا وفقًا لذلك، وهو ما يبدو أن يان كوبيتش كان يحاول القيام به خلال الأشهر الأربعة الماضية على الرغم من الانتقادات الكثيرة. فالأمر لا يتعلق بليبيا، لكنه الآن صراع على من لديه المقعد الأعلى على الطاولة". وتحاول ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011 تجاوز عقد من الفوضى، والذي اتسم في السنوات الأخيرة بوجود قوى متنافسة في شرق وغرب البلاد. وكان حوار سياسي بين الفرقاء الليبيين برعاية الامم المتحدة في جنيف في شباط (فبراير) الماضي، قد أفضى إلى تشكيل سلطة سياسية تنفيذية موحدة مهمتها التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي حددت على التوالي في كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير).اضافة اعلان