الانتخابات العراقية لن تنهي الفوضى التي خلفها الأميركيون

عراقيات يرفعن علامة النصر ويعرضن الحبر على أصابعهن بعد التصويت في الانتخابات الأخيرة - (أرشيفية)
عراقيات يرفعن علامة النصر ويعرضن الحبر على أصابعهن بعد التصويت في الانتخابات الأخيرة - (أرشيفية)

فواز جرجس* - (سي إن إن) 1/5/2014

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

بينما كان العراقيون يقومون بإحصاء الأصوات في أعقاب أول انتخابات برلمانية تجري في البلاد بعد انسحاب القوات الأميركية في نهاية العام 2012، فإنهم كانوا يتفقون على شيء واحد: الحاجة الملحة بشدة إلى التغيير. ومع أن الاقتراع شكل علامة مهمة في دولة العراق الهشة، فإن من غير المرجح أن يحل الأزمة السياسية الشديدة التي يعاني منها البلد، وأن ينتج عقداً اجتماعياً جديداً ودستوراً يعزز مبدأ المواطنة المتساوية أمام حكم القانون.اضافة اعلان
في قلب الأزمة الهيكلية التي يعاني منها العراق، ثمة نظام سياسي غير عامل يستند إلى المحاصصة أو توزيع السلطة على أساس خطوط مجتمعية وإثنية أو قبلية، وهو النظام الذي وضع قيد التنفيذ بعد أن قامت الولايات المتحدة بغزو البلد واحتلاله في العام 2003. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، تقاتلت المجموعات المجتمعية المهيمنة من أجل الحصول على الغنائم السياسية، غير راغبة في وضع مصالح الأمة فوق مصالحها وطوائفها وقبائلها الخاصة. ورغم أن قواعد اللعبة تؤثر على سلوك الطبقة السياسية، فإن الساسة من كل الأطياف والألوان (الشيعة والعرب السنة والأكراد السنة) لم يتمكنوا من التسامي فوق مصالحهم الجهوية الضيقة، ولم يرتقوا إلى مستوى التحدي التاريخي الذي يواجهه بلدهم. وبذلك، يواجه العراق الآن تحدياً ثنائي الشعب، في الهيكلية والقيادة على حد سواء.
تتحمل الطبقة السياسية الحاكمة القدر نفسه من المسؤولية عن مأزق العراق بقدر ما تتحمل المسؤولية عن الهيكلية. إن الهيكلية ليست قدراً. ولأنها ملكت زمام الأمور في البلد بعد الاحتلال الأميركي وخلع صدام حسين، عاملت القيادة الشيعية العرب السنة كمواطنين من الدرجة الثانية، واعتبرت غالبيتها العددية بمثابة رخصة لاحتكار السلطة على حساب الآخرين. وفي سياق مشابه، لم تستطع القيادة السنية التوصل إلى التصالح مع الوقائع الجديدة لعراق ما بعد صدام، وما تزال تحمل الأوهام نفسها إزاء حكم العراق. ومن جهتهم، لن يمانع القادة الأكراد إذا ما احترق العراق كله طالما ظلوا يحتفظون بكردستان المنفصلة -ككيان شبه مستقل.
من بين كل اللاعبين، يتحمل رئيس الوزراء، نوري المالكي، المسؤولية الكبرى عن التدهور المعمق للحالة الأمنية ونوعية الحياة التي يعيشها العراقيون، بما في ذلك الفساد الذي يصيب بعدواه كل وقائع المجتمع العراقي. وبعد ثمانية أعوام أمضاها رئيساً للوزراء ومحتكراً السلطة، خذل المالكي مواطنيه ولم يوفر لهم الأمن ولا الازدهار، وأدار آذاناً صماء ونظر بعيون عمياء إلى العاصفة المتجمعة لدى العرب السنة الذين يشعرون بأنهم مستثنون من خلال ما يرونه على أنه سياساته المستندة إلى أسس طائفية.
تحت أنظاره وسمعه، انتعشت فصائل تنظيم القاعدة -أو الدولة الإسلامية في العراق والشام (سورية الكبرى) والتي تعرف باسمها المختصر "داعش"، ووجدت لنفسها ملاذاً ونصيراً في صفوف السنة الممتعضين والمستائين. وفي الحقيقة، أصبح العراق مستقطباً بشكل عميق على طول خطوط مجتمعية وإيديولوجية وطائفية، وهو ما جعله يشهد تمرداً سنياً عنيداً في أواخر العام 2012، والذي أوقع خسارة بشرية ثقيلة في البلد وأغرقه بحيث أصبح على مشارف الوقوع في براثن حرب أهلية.
منذ أيار (مايو) من العام المنصرم، يقتل في العراق تقريباً نحو 1000 مدني كل شهر، بينما يسيطر المتمردون الذين يتكونون من خليط من رجال القبائل ومتطرفي تنظيم القاعدة على أحياء العاصمة الإقليمية، الرمادي، وعلى كل مدينة الفلوجة المحاذية تقريباً.
بالإضافة إلى ذلك، فاقم الصراع المستعر في سورية من التوترات الطائفية في العراق وجعل البلد أكثر استقطاباً. وقد أصبح من شبه المنسي الآن حقيقة أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هو الذي كان قد أسس جبهة النصرة في سورية، الذراع الرسمية للقاعدة، وأنشأ بنية تحتية جهادية فاعلة في البلد الذي مزقته الحرب. والآن، تتغذى حركتا التمرد في سورية والعراق على بعضهما بعضاً وتوفران الوقود الذي يمد بالطاقة محركاتهما القاتلة.
مع ذلك، يرفع المالكي الذي يتزعم ائتلاف دولة القانون الشيعي بشكل رئيسي شعاراً انتصارياً بلا خجل، عارضاً نفسه في صورة الزعيم الشيعي القوي الذي يستطيع إلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة. وتقول إحدى يافطات حملته الانتخابية: "معاً نهزم الإرهاب". وبدلاً من التعهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية أصيلة تعنى بمعالجة مشاكل العراق البنيوية، طلب المالكي من الناخبين منحه غالبية مطلقة لتمكينه من تشكيل حكم مركزي أقوى، وكأنه لم يراكم الكثير من السلطة أصلاً، موجهاً اللوم في الحكم الضعيف إلى العداوات السياسية التي اعترضت جهوده. وقال المالكي لمؤيديه خلال حملته الانتخابية في محافظة بابل إلى الجنوب من بغداد: "لقد أعاقت الشراكة مع الفصائل السياسية الأخرى أداء الحكومة".
لعل من المشكوك فيه أن يفوز ائتلاف المالكي أو أي طرف آخر بأغلبية انتخابية مباشرة بسبب مدى التشظي الطائفي الداخلي والبيني. فثمة أكثر من 9000 مرشح من حوالي 280 كيانا سياسيا، والذين يتنافسون على مجرد 328 مقعداً في البرلمان.
وعلى نحو لا يختلف عن الانتخابات البرلمانية السابقة التي أجريت في العام 2010، فإن العداوات الشيعية البين-طائفية تميز هذه الجولة أيضاً. وقد واجهت كتلة رئيس الوزراء تحدياً من "ائتلاف المواطن": بقيادة عمار الحكيم من المجلس الإسلامي الأعلى، كما ومن جانب ائتلاف الأحرار الذي شكله أتباع الحركة الصدرية الشعبية. ورغم أن إيران لعبت دوراً رئيسياً في إقناع الحكيم والصدر بدعم المالكي وتزويده بالأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، فإنها قد لا تكون قادرة على فعل ذلك الآن في ضوء اتساع الفجوة بين الحلفاء الشيعة الثلاثة. وفي الوقت نفسه، ينقسم العرب على أنفسهم مثلهم مثل الشيعة أيضاً.
في الديمقراطيات الراسخة، عادة ما يفرز الانقسام الانتخابي حكومة ائتلاف ذات قاعدة عريضة. لكن هذا ليس هو واقع الحال في العراق، البلد الهش الذي ينطوي على حالات شقاق مجتمعية ونظام سياسي غير عامل وسط غياب بديل حيوي تقدمي وغير طائفي. وعلى العكس من بدء العملية المعقدة لبناء الدولة وإعادة الاعمار المجتمعي، وهي مهمة في منتهى الإلحاح، فإن من المرجح أن تطيل الانتخابات أمد أزمة السلطة والشرعية.
يقول العديد من العراقيين الذين تحدثت معهم إنهم ينطوون على توقعات منخفضة من الاقتراع: إنهم يشعرون بالتشاؤم من الساسة الذين يعدون بتحسين الأوضاع، لكنهم يفشلون في ذلك فشلاً ذريعاً. ولم ألتق، حتى بعراقي واحد، يعتقد بأن الانتخابات ستؤشر على بداية جديدة، أو اتجاه مختلف، أو أنها ستحقن دماء جديدة في عروق الجسم السياسي المتخفي.

*يشغل كرسي الشرف في الدراسات الشرق أوسطية المعاصرة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في لندن. وهو مؤلف كتب عدة، منها "الشرق الأوسط الجديد: الاحتجاج الاجتماعي والثورة في العالم العربي". وتعبر وجهات النظر الواردة في هذا المقال عن رأيه الشخصي كلية.
*نشر هذا التعليق تحت عنوان: Why Iraq can't fix chaos left behind by U.S

[email protected]