الانتخابات عند الجيران

لا يتوقف ضعف الاهتمام بالانتخابات المحلية (البلدية واللامركزية) المزمع إجراؤها منتصف الشهر المقبل على الاحزاب والقوى السياسية، بل يتجاوز ذلك الى مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الابحاث والنخب المركزية التقليدية والجديدة، وصولا الى ضعف اهتمام وسائل الإعلام  ومتابعتها، بل ثمة فيديو لشاب لديه مشكلة مع الجنس الاخر وتحول فجأة الى واعظ أشغل الرأي العام أكثر من كل انتخاباتنا وخططنا للاصلاح. اضافة اعلان
هذا الواقع من اللامبالاة لا يتفق مع اهمبة الانتخابات المحلية في توليد الديمقراطية الحقيقية وترسيخ جذورها الاجتماعية، حيث تنال هذه الانتخابات في معظم مجتمعات العالم الديمقراطي أهمية لا تقل عن الانتخابات البرلمانية، بل عادة ما تحدد هذه الانتخابات اتجاهات العملية السياسية في الانتخابات البرلمانية وفي توزيع خريطة القوى السياسية.
ثمة خوف تقليدي من تسييس المجتمعات المحلية، ما ادى الى اغلاق الباب في وجه تنمية الديمقراطية المحلية التي تبدأ وتترسخ في الوحدة التمثيلية الأولى المتمثلة في البلدية والمجلس المحلي. تأسس هذا الموقف لدى مدرسة سياسية أدارت البلاد على مدى اكثر من اربعة عقود، وتم ترسيخ هذه الممارسة من قبل القوى السياسية المطالبة بالديمقراطية والاصلاح السياسي نفسها حينما اختصرت الاصلاح والتحول الديمقراطي على مدى عقدين على إصلاح  قانون الانتخاب على اهميته، واغلقت هذه القوى على نفسها الابواب والنوافذ لكي لا ترى ما يجري على الارض في ممارسة السياسة اليومية في إدارة شؤون الناس.
ان الديمقراطية المحلية على مستوى المدن والبلدات أداة من أدوات التنمية المستدامة التي تكفل المشاركة الايجابية والتوزيع العادل للثروة والسلطة داخل هذه المجتمعات، وإذا كانت الاهتمامات العامة في الدول التي تشهد تجارب وليدة في التنمية السياسية تذهب نحو التركيز على الأداء السياسي العام للمؤسسات الوطنية، فإن إهمال المشاركة الديمقراطية على المستوى المحلي للمدن والبلدات لم يعد مقبولا، وهو ما يفسر جانبا كبيرا من فشل التنمية السياسية على المستوى العام.
  سوف نذهب الى انتخابات هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة تجمع مجالس المحافظات والبلديات بعد جدل تاريخي على فكرة اللامركزية الادارية دام عقودا، ومع هذا تشهد الحياة العامة حالة من البرود السياسي وعدم الاهتمام، وكأن هذه الانتخابات ستجري في بلاد أخرى، على الرغم من أن الأوضاع والتحولات التي تشهدها المجتمعات المحلية تستدعي ان تجعل من هذه الانتخابات ملفا سياسيا بامتياز.
 على مدى العقود الماضية تم تفريغ المحليات في المدن والبلدات من فكرة المجال العام الحيوي والفاعل، اي المجال الممتد بين المجتمع والدولة. ولدينا ادلة ليست من الأردن وحسب بل ثمة شواهد من العراق وسورية ومصر وفلسطين وغيرها، كيف كانت المدن والبلدات تشكل مجتمعات سياسية لكل منها مجالها العام الفاعل والمشتغل على شؤونه وعلى الشؤون العامة، في الأردن مثلت مدن مثل إربد والسلط والكرك ومعان على مدى الخمسينيات والستينيات مجتمعات مدينية تحفل بالمشاركة وحيوية المجال العام اكثر بكثير مما هو عليه الحال اليوم؛  كان للانتخابات البلدية قيمتها واهميتها ودورها، فيما مارست الاحزاب ادوارها وكانت تملأ الحياة  بالانشغال بالقضايا العامة فيما تنتشر مؤسسات المجتمع المدني والأندية والمقاهي الثقافية والسياسية بينما البلدية تشكل محور الحياة العامة في المدينة.
كان يمكن لهذه الأشكال من الإدارة المحلية ان تتطور لصيغ متقدمة من الديمقراطية المحلية، لكن الذي حدث انه قد تم تفريغها وتهميشها، وتحولت البلديات الى مجرد هياكل إدارية مسؤولة في نظر العامة عن جمع النفايات، ترزح تحت الديون وتعج بالموظفين الذين لا عمل لهم، لذا على قدر ما يفسر ذلك عدم مبالاة المجتمع السياسي بهذه الانتخابات على قدر ما يدين هذا المجتمع ويكشف أين يكمن جانب خفي من فجوة الإصلاح.