الانتخابات ومحاولات العبث بها مجددا

في البيان الوزاري يبدو حجم الحجر مناسبا لعضلات الحكومة، فلم تضخمه لدرجة لا تقوى على حمله. المهمة الوحيدة والأساسية والمهمة جدا هي الانتخابات بكل أبعادها؛ تشريعا وإدارة وأجواء ثقة، وبمواعيد محددة. وأي خلل في أضلاع المثلث يفقد الانتخابات معناها.اضافة اعلان
في التشريع، نحتاج قانونا معقولا، مع أن الأقرب للدستور العودة للقانون الذي قامت عليه المملكة وولد منه الدستور، وهو ما يعرف بقانون انتخابات 1989. ولكن في ظل مرحلة انتقالية يمكن التوافق على قانون يلبي الحد الأدنى لرغبات الدولة والقوى السياسية الموالية والمعارضة وما بينهما، وبشكل يحقق أعلى درجة من المشاركة وتجميع الناس على مستوى الوطن والمحافظة، لا بل العشيرة، بعد أن عملت قوانين الصوت الواحد المجزأ والدوائر الوهمية على تجزيء المجزأ وتقسيم المقسم.
في الضلع الثاني الإدارة، لا يكتفى بإعلان النزاهة وعدم التدخل والاعتراف بالتزوير السابق في انتخابات 2007 و2010، بل بصياغة قانون الهيئة المستقلة للانتخابات بشكل يضمن النزاهة وعدم التدخل، ويردع من يفكر بالتزوير سواء من الحكومة أم من المجتمع من خلال شراء الأصوات، وغير ذلك من وسائل "خصخصة" التزوير. وما لا يقل أهمية عن التشريع اختيار الشخص الذي يرأس الهيئة. بذلك نضمن إدارة انتخابات بشكل مستقل وكفؤ ونزيه.
الضلع الثالث هو أجواء الثقة، وتلك تتحقق بشكل أساسي من خلال إجراء انتخابات بلدية نزيهة تقدم نموذجا عمليا يعيد الثقة بالعملية الانتخابية. ذلك كله لم يكن ممكنا في ظل حكومة أو مسؤولين أمنيين أشرفوا على انتخابات سيئة الذكر. اليوم يمكن إنجاز هذه المهمة ومن دون كلفة. وإن نجحت فيها الحكومة فستكون مثل حكومة الأمير زيد بن شاكر التي أجرت انتخابات 1989. واستعادة تلك اللحظة مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة. ما يستوجب الحذر في ظل أجواء التفاؤل الهمس الذي بدأ يتردد حول تأجيل الانتخابات بذريعة الأوضاع في سورية. وبنظر الهامسين، فإن إجراءها في تلك الأجواء سيفيد الإسلاميين المطلوب تحجيمهم ما أمكن، حتى يطمئن المرتابون من نفوذهم. ذلك الهمس يجب أن يُوأد في مهده ولا يسمع له، حماية للديمقراطية. فالعالم العربي ضحّى بالديمقراطية بسبب الظروف السياسية، وخصوصا الصراع العربي الإسرائيلي، فخسرنا فلسطين وخسرنا الديمقراطية. في المقابل، كسب الصهاينة فلسطين والديمقراطية. ولم تؤجل انتخابات عندهم بذريعة الصراع، مع أنهم فعلا مهددون بوجودهم. كل مبررات تأجيل الانتخابات موجودة عندهم داخليا وخارجيا. مجتمعهم، وهم وافدون محتلون، منقسم بين العرب أصحاب البلاد الأصليين وبين المحتلين، واليهود منقسمون مذهبيا وثقافيا. خارجيا تتربص بهم المنطقة من باكستان وإيران وتركيا إلى دول الطوق إلى الداخل الفلسطيني.
المتوجسون من سورية عليهم أن يعوا أن الشعب السوري سيستعيد الديمقراطية بثمن غال من الدماء، ومن الأفضل أن نسبقهم ونكون لهم قدوة حسنة. ولنتذكر أنه في العام 1989 كان النظام السوري يشوش على التلفزيون لأنه كان ينقل جلسات مجلس النواب، فهل يريدون منا أن نشوش على جلسات مجلس النواب السوري المقبل؟ هذا هبل تاريخي!