الانسحاب الأميركي من سورية والشرق الأوسط

قوات أميركية تدخل إلى العراق بعد انسحابها من سورية .-(ا ف ب)
قوات أميركية تدخل إلى العراق بعد انسحابها من سورية .-(ا ف ب)
إسرائيل هيوم أفرايم عنبر 22/10/2019 ان قرار الرئيس الاميركي اعادة قوات بلاده من شمال سورية الى الديار استقبل بغضب شديد وبوابل من الانتقاد من اليمين ومن اليسار. فالانتقاد الذي رأى "خيانة" للاكراد نبع من قلق اخلاقي على مصير الاكراد، ولكن بقدر لا يقل عن ذلك، من الكراهية والاحتقار لترامب ايضا. في نفس الوقت الذي يمكن لنا فيه أن نفهم العطف على الاكراد، من الصعب أن نقبل الجهل الذي أبداه منتقدو القرار بشأن جوهر العلاقات الدولية وبالنسبة للسياسة الخارجية والمزاج العام في المجتمع الاميركي. ان العلاقات بين الدول هي منظومة من المساعدة الذاتية. على كل دولة ان تحرص على مصالحها في حماية استقلالها وسيادتها. اما وجود الكيانات الصغيرة فهو عرضة للخطر دوما، والاعتماد على الحلفاء يتبين احيانا كخطأ مصيري. حالة تشيكيا في 1938 هي مثال على ذلك. كان ينبغي للاكراد ان يعرفوا هذا. فقد سبق أن هجروا في الماضي من قبل الولايات المتحدة ما أن تغيرت المصالح الايميكية: في 1975 تحت رئاسة جيرالد فورد، وفي 1992 تحت رئاسة جورج بوش. فقرار ترامب ليس جديدا فقط بل انه سبق أن اعلن قبل نحو سنة عن نيته سحب القوات الاميركية من شمال سورية. وعمليا يعكس قراره سياسة بدأ بها من قبل الرئيس اوباما – الانسحاب الاميركي من المنطقة. فالولايات المتحدة لم تعد تحتاج الى مقدرات الطاقة في الشرق الاوسط، وتدخلها العسكري طويل السنين جبا ثمنا دمويا باهظا – بكل معنى الكلمة. ترامب ليس معروفا كرجل الكتاب. ولكنه يواصل تقاليد ثقافية عتيقة ومعروفة من كتابات توكيديدس، ماكفيلي وكيسنجر: الواقعية السياسية. فمن السذاجة ان نتوقع ان تتصرف الدول حصريا وفقا للمبادئ الاخلاقية؛ فالحكومات تتبنى سياسة تخدم مصالح دولها. قد يبدو هذا "باردا" ولكن الواجب الاخلاقي الاعلى هو البقاء والمصالح وليس الايثار. في الديمقراطيات، يقرر المصالح زعماء الدولة وتعكس بقدر كبير تفضيلات الشعب. سياسة ترامب التي لا يمكن ان نفصلها عن دوافعه الانعزالية، تعكس المزاج السائد في الجمهور الاميركي. بعد عقود من القتال في الشرق الاوسط دون تحقيق انجازات ذات مغزى، تعبت اميركا من الحروب. صحيح أن الولايات المتحدة درجت على أن ترى في نفسها برجا من القيم الديمقراطية وشرطي العالم ايضا، ولكن مواطنيها تعبوا من تحقيق هذا الهدف. ترامب نفسه لم يكن ابدا شريكا في الحساب بأن لأميركا دور خاص في العالم، ولكنه لا بد يشعر بنفور الكثير من الاميركيين من المغامرات العسكرية خلف البحار. واحضار الجنود الى الديار هو استجابة لما يريده الجمهور، الامر الكفيل بأن يفيده في الانتخابات للرئاسة في السنة القادمة. لا شك أن اخراج القوات الاميركية من شمال سورية يؤثر على المصالح الاسرائيلية. فالقرار يمنح حرية عمل أكبر في المنطقة لايران وتركيا ودول اخرى في الخليج قد تقترب من طهران. ولكن بالمقابل يجعل القرار اسرائيل حليفا أهم من الماضي بالنسبة لواشنطن؛ وهي تحظى بحرية عمل اكبر لتحقيق اهدافها واستخدام القوة. بدلا من الانضمام الى جوقة التنديد، على اسرائيل أن تتكيف مع الوضع الجديد الذي كما اسلفنا هي مثابة مفاجأة، وان تجد الردود المناسبة. عليها أن تمتنع عن الدعوة الى تواجد اميركي في المنطقة، إذ في نهاية المطاف شدد التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي دوما على الاعتماد على النفس. اليوم، مثلما في الماضي، على اسرائيل أن تكون مستعدة للعمل بنفسها، حتى بدون حليف.اضافة اعلان