الانفراد التشريعي ودوره في حماية الحقوق والحريات

يعد مبدأ الفصل بين السلطات من المبادئ الدستورية الراسخة التي تشكل ضمانة وآلية من آليات حماية حقوق الإنسان.
ويشكل مبدأ انفراد السلطة التشريعية بتنظيم الحقوق والحريات ضمانة دستورية تحول دون قيام أي سلطة أخرى بمعالجة المسائل التي تدخل في اختصاص المشرع بموجب الدستور.اضافة اعلان
مبدأ انفراد السلطة التشريعية بتنظيم الحقوق والحريات، فكرة ازدهرت خلال القرنين الثامن والتاسع عشر على يد الفقهاء الألمان، ومن ثم تحول إلى مبدأ دستوري يفرض على المشرع التدخل لممارسة اختصاصه التشريعي ومنعه من تفويض سلطاته إلى غيره من السلطات وبخاصة السلطة التنفيذية إلا في حدود ضيقة ولغايات تطبيق القانون.
وفي السياق التاريخي، يشير الدكتور أحمد فتحي سرور إلى أن مبدأ الانفراد التشريعي يعبر عن تطور العلاقة بين البرلمان والحكومة؛ فنظرا لاستئثار الطبقات الحاكمة في الممالك والاقطاعيات الأوروبية القديمة بالسلطات كافة في الدولة، نشأ صدام بين الطبقات البرجوازية ممثلة في الحكومة وبين البرلمان ممثل الشعب حول السيطرة على السلطة، وقد أسفر هذا الصراع في النهاية عن انتصار إرادة الشعب واستئثار البرلمان بحق إقرار الضرائب، وتحديد الجرائم والعقوبات.
ثم تطور الأمر إلى انفراد البرلمان والتشريع في كل ما يتعلق بالحقوق والحريات حتى استقرت النظم الدستورية الحديثة على أن القوانين التي تصدرها الهيئة التشريعية المختصة تعتبر الأداة الأساسية التي تحدد ضوابط السلوك القانوني العام في إطار الدستور للحكام والمحكومين في آن واحد.
إن مبدأ انفراد السلطة التشريعية في تنظيم مسائل الحقوق والحريات، مبدأ ينطوي على درجة كبيرة من الأهمية بوصف التشريع هو المعبر عن إرادة وضمير الأمة من خلال السلطة التي تمثل الشعب. فلا يتصور من حيث الأصل أن تنتقص هذه التشريعات من الحقوق والحريات وتشكل قيودا غير مشروعة تحول دون الإنسان وممارسة حقوقه وحرياته.
ولا يتصور أيضا في ظل هذه الفكرة الدستورية الراسخة أن يتم إحالة تنظيم مسائل جوهرية بموجب التشريعات تتعلق بالحقوق والحريات للأنظمة أو التعليمات التي من المفترض أنها تأتي لوضع القانون موضع التطبيق في مسائل تفصيلية لا تعالج جوهر الحقوق أو تمس أساسياتها.