الانقسام الأفريقي بشأن فلسطين: هل "تفوز" إسرائيل بأفريقيا حقًا؟

كينيون يعربون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني - (أرشيفية)
كينيون يعربون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني - (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

رمزي بارود* - (بالستاين كرونيكل) 30/12/2021

يعتمد الانقسام الإفريقي حول فلسطين جزئياً على حقيقة أن التضامن الأفريقي مع فلسطين كان يوضع، تاريخياً، ضمن الإطار السياسي الأكبر للتضامن الأفريقي العربي المتبادل. ومع ذلك، مع ضعف التضامن العربي الرسمي مع فلسطين الآن، فإن الفلسطينيين مجبرون على التفكير خارج هذا الصندوق التقليدي، علهم يتمكنون من بناء تضامن مباشر مع الدول الأفريقية كفلسطينيين، من دون دمج تطلعاتهم الوطنية بالضرورة مع الجسم السياسي العربي الأكبر، الذي يعاني الآن التفتت. وفي حين أن مثل هذه المهمة تبدو شاقة، إلا أنها تظل واعدة أيضًا، حيث تتوفر للفلسطينيين الفرصة لبناء جسور الدعم والتضامن المتبادل مع إفريقيا من خلال الاتصالات المباشرة، حين يعملون كسفراء لأنفسهم.
* * *
جاء القرار الذي أصدرته "مفوضية الاتحاد الأفريقي"، في 22 تموز (يوليو)، بمنح إسرائيل صفة دولة مراقب في الاتحاد الأفريقي، بمثابة تتويج لسنوات من الجهود الإسرائيلية الحثيثة الهادفة إلى احتواء أكبر مؤسسة سياسية في إفريقيا. فلماذا تبدو إسرائيل حريصة جداً على اختراق افريقيا؟ وما الذي جعل الدول الأفريقية تستسلم أخيرًا للضغط والتحشيد الإسرائيليين؟
للإجابة عن الأسئلة المذكورة، يتعين على المرء أن يفهم طبيعة "اللعبة الكبرى" الجديدة الجارية في أجزاء كثيرة من العالم، وخاصة في إفريقيا، التي لطالما كانت مهمة للتصاميم الجيوسياسية لإسرائيل. كانت شبكة إسرائيل في إفريقيا في توسع مستمر بدءًا من أوائل الخمسينيات وحتى منتصف السبعينيات. لكن حرب العام 1973 جلبت ذلك التقارب إلى نهاية مفاجئة.
ما الذي غيّر أفريقيا
اعترفت غانا؛ الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، بإسرائيل رسميًا في العام 1956، بعد ثمانية أعوام فقط من قيام إسرائيل على أنقاض فلسطين التاريخية. وما بدا وكأنه قرار غريب في ذلك الوقت -بالنظر إلى تاريخ إفريقيا مع الاستعمار الغربي ونضالاتها ضد ذلك الاستعمار- كان إيذاناً بقدوم عهد جديد من العلاقات الإفريقية الإسرائيلية. وبحلول أوائل السبعينيات، كانت إسرائيل قد أسست لنفسها موقفاً قويًا في القارة. عشية اندلاع الحرب الإسرائيلية العربية في العام 1973، كانت إسرائيل قد أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع 33 دولة أفريقية.
مع ذلك، وضعت "حرب أكتوبر" العديد من البلدان الأفريقية أمام خيار حاسم: الوقوف إلى جانب إسرائيل -وهي الدولة التي ولدت من رحم المؤامرات الاستعمارية الغربية- أو إلى جانب العرب، الذين ارتبطوا بأفريقيا من خلال الروابط التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية. وقد ذهبت معظم الدول الأفريقية إلى الخيار الأخير. وبدأت الدول الأفريقية الواحدة تلو الأخرى بقطع علاقاتها مع إسرائيل. وبعد فترة وجيزة، لم تكن لأي دولة أفريقية، بخلاف ملاوي وليسوتو وسوازيلاند، أي علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.
بل إن تضامن القارة مع فلسطين ذهب بعد ذلك شوطاً أبعد. أصبحت "منظمة الوحدة الأفريقية" -التي سبقت الاتحاد الأفريقي- في دورتها العادية الثانية عشرة التي عقدت في كمبالا في العام 1975، أول هيئة دولية تعترف، بشكل واسع، بالعنصرية المتأصلة في الأيديولوجية الصهيونية لإسرائيل من خلال تبني القرار رقم 77 (XII). وتم الاستشهاد بهذا القرار بالذات في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379، الذي تبنته الجمعية في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، والذي قرر أن "الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري". وظل القرار 3379 ساري المفعول إلى أن قامت الجمعية العامة بإلغائه تحت ضغط أميركي مكثف في العام 1991.
وهكذا، بما أن إسرائيل ظلت ملتزمة بالأيديولوجية الصهيونية العنصرية نفسها التي كانت سائدة في الأعوام الماضية، فإن الاستنتاج العقلاني الوحيد هو أن إفريقيا، وليس إسرائيل، هي التي تغيرت. ولكن لماذا؟
أولاً، انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد نتجت عن ذلك الحدث الزلزالي عزلة لاحقة للبلدان الأفريقية الموالية للاتحاد السوفياتي، والتي كانت قد بقيت لأعوام طويلة بمثابة الطليعة للمقاومة ضد النزعة التوسعية والمصالح الأميركية والغربية -وبالتالي الإسرائيلية- في القارة.
ثانياً، انهيار الجبهة العربية الموحدة بشأن فلسطين. وكانت تلك الجبهة، تاريخياً، بمثابة الإطار المرجعي السياسي والأخلاقي للمشاعر المؤيدة لفلسطين والمعادية لإسرائيل في إفريقيا. وبدأ ذلك الانهيار بتوقيع الحكومة المصرية اتفاقية "كامب ديفيد" في 1978-1979، ثم لاحقًا إبرام اتفاقيات أوسلو بين القيادة الفلسطينية وإسرائيل في العام 1993.
وقد استمر التطبيع السري والعلني بين الدول العربية وإسرائيل بلا هوادة على مدى العقود الثلاثة الماضية، ما أدى إلى توسيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، بما في ذلك الدول الأفريقية العربية، مثل السودان والمغرب. كما انضمت دول أفريقية أخرى ذات أغلبية مسلمة إلى جهود التطبيع، ومن بينها تشاد ومالي وغيرهما.
ثالثًا، تجددت نزعة "التدافع من أجل إفريقيا" وعادت بقوة مع نية انتقام. وأدت عودة الاستعمار الجديد إلى إفريقيا إلى إعادة العديد من المشتبه بهم المعتادين نفسهم -الدول الغربية، التي أصبحت تدرك، مرة أخرى، الإمكانات غير المستغلة لأفريقيا من حيث الأسواق، والعمالة والموارد الرخيصة. وثمة قوة دافعة رئيسية أخرى لإعادة انخراط الغرب في إفريقيا، هي صعود الصين كقوة عظمى عالمية لها مصالح قوية في الاستثمار في البنية التحتية المتهالكة في إفريقيا. ومتى ما وُجدت منافسة اقتصادية، فمن المؤكد أن العتاد العسكري سيأتي في الأعقاب. والآن، تعمل العديد من الجيوش الغربية بشكل علني في إفريقيا متخفية في مظاهر مختلفة -فرنسا في مالي ومنطقة الساحل، وعمليات الولايات المتحدة العديدة التي تنفذها القيادة الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، وآخرون.
من الجدير ملاحظة أن واشنطن لا تعمل كراعي إسرائيل والمانح الرئيسي لها في فلسطين والشرق الأوسط فحسب، وإنما تلعب الدور نفسه في جميع أنحاء العالم أيضًا. وبطبيعة الحال، سوف ترغب إسرائيل في بذل كل جهد ممكن لاستغلال النفوذ الهائل الذي تتمتع به على الحكومة الأميركية. ويسري هذا النموذج الخانق، الذي ما يزال يعمل في منطقة الشرق الأوسط منذ عقود، في جميع أنحاء إفريقيا أيضاً. وعلى سبيل المثال، وافقت الإدارة الأميركية العام الماضي على إزالة السودان من قائمة الإرهاب الذي ترعاه الدولة مقابل موافقة الخرطوم على التطبيع مع إسرائيل. وفي الحقيقة، ليس السودان هو البلد الوحيد الذي يفهم -ويكون مستعداً للانخراط في- هذا النوع من المقايضة السياسية "البراغماتية" غير النزيهة. وقد تعلم آخرون أيضًا لعب هذه اللعبة جيدًا. وفي الواقع، من خلال التصويت على قبول انضمام إسرائيل إلى "الاتحاد الأفريقي"، تتوقع بعض الحكومات الأفريقية عائدًا على استثماراتها السياسية، ستحصل عليه من واشنطن، وليس من تل أبيب.
لسوء الحظ، ولو أن ذلك كان متوقعًا، أصبحت فلسطين، مع نمو تطبيع إفريقيا مع إسرائيل، على نحو متزايد قضية هامشية على جداول أعمال العديد من الحكومات الأفريقية، التي استثمرت في السياسة الواقعية البراغماتية -أو، ببساطة، في البقاء في جانب الخير الذي تمثله واشنطن- بدلاً من الالتزام بتكريم الموروثات المناهضة للاستعمار لشعوبها.
نتنياهو، الفاتح
ومع ذلك، كانت هناك قوة دافعة أخرى وراء قرار إسرائيل "العودة" إلى إفريقيا أكثر من مجرد الانتهازية السياسية والاستغلال الاقتصادي. فقد أوضحت الأحداث المتتالية أن واشنطن تتراجع عن منطقة الشرق الأوسط، وأن المنطقة لم تعد تشكل أولوية قصوى للإمبراطورية الأميركية المتضائلة. وبالنسبة للولايات المتحدة، كانت تحركات الصين الحاسمة لتأكيد قوتها ونفوذها في آسيا هي المسؤولة إلى حد كبير عن إجراء هذه المراجعة. وكان انسحاب الولايات المتحدة من العراق في العام 2012، واختيارها "القيادة من المقاعد الخلفية" في ليبيا، وسياستها القائمة على تجنب الالتزام في سورية، من بين أمور أخرى، كلها مؤشرات تشير إلى الحقيقة التي لا مفر منها، وهي أنه لم يعد بوسع إسرائيل أن تعتمد على الدعم الأميركي الأعمى وغير المشروط وحده. وهكذا بدأ بحثها المستمر والثابت عن حلفاء جدد.
لأول مرة منذ عقود، بدأت إسرائيل في مواجهة عزلتها المطولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ربما يحمي استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن إسرائيل من المساءلة عن احتلالها العسكري وجرائم الحرب التي ترتكبها؛ لكن حق النقض الأميركي لم يكن كافياً لإعطاء إسرائيل الشرعية التي لطالما كانت تطمع إليها. وفي محادثة أخيرة مع مبعوث الأمم المتحدة السابق لحقوق الإنسان، ريتشارد فولك، أوضح لي أستاذ جامعة برنستون الفخري أنه على الرغم من قدرة إسرائيل على الإفلات من العقاب، فإنها تخسر بسرعة ما يشير إليه باسم "حرب الشرعية".
إن فلسطين، بحسب فولك، هي التي تواصل كسب تلك الحرب، وهو فوز لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التضامن العالمي الحقيقي على المستوى الشعبي. وهذا هو بالضبط العامل الذي يفسر اهتمام إسرائيل الشديد بنقل ساحة المعركة إلى إفريقيا وأجزاء أخرى من جنوب الكرة الأرضية.
في 5 تموز (يوليو) 2016، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين، بنيامين نتنياهو، "التدافع الإسرائيلي نحو إفريقيا" بزيارة قام بها إلى كينيا، والتي وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في ذلك الوقت بأنها زيارة تاريخية. وفي الواقع، كانت تلك أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى إفريقيا في الأعوام الخمسين الأخيرة. وبعد أن أمضى نتنياهو بعض الوقت في نيروبي، حيث حضر جلسات "المنتدى الاقتصادي الإسرائيلي الكيني" إلى جانب مئات من رجال الأعمال الإسرائيليين والكينيين، انتقل إلى أوغندا، حيث التقى بقادة دول أفريقية أخرى، بمن فيهم رؤساء كل من جنوب السودان، ورواندا، وإثيوبيا وتنزانيا. وفي ذلك الشهر نفسه، أعلنت إسرائيل تجديد العلاقات الدبلوماسية بينها وبين غينيا.
ثم انطلقت الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة من هناك. فتبعت تلك الزيارات المزيد من الزيارات الأخرى رفيعة المستوى إلى إفريقيا والإعلانات المظفرة عن مشاريع اقتصادية مشتركة واستثمارات جديدة. وفي حزيران (يونيو) 2017، شارك نتنياهو في اجتماعات "التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا" (ECOWAS)، الذي عقد في العاصمة الليبيرية، مونروفيا. وهناك، صنع ما اعتُبر إعادة كتابة للتاريخ.
في ذلك التجمع، زعم نتنياهو في خطابه أن "إفريقيا وإسرائيل تشتركان في تقارب طبيعي. إن لدينا، من نواح كثيرة، تاريخ متشابه. فقد عانت دولكم تحت الحكم الأجنبي. وقد عايشتم حروبا ومذابح مروعة. وهذا هو تاريخنا إلى حد كبير". وبهذه الكلمات، حاول نتنياهو، ليس إخفاء النوايا الاستعمارية الإسرائيلية فحسب، وإنما تجريد الفلسطينيين من تاريخهم الخاص أيضاً.
إضافة إلى ذلك، كان الزعيم الإسرائيلي يأمل في تتويج إنجازاته السياسية والاقتصادية بإقامة "القمة الإسرائيلية الأفريقية"، وهو حدث كان من المفترض أن يرحب رسميًا بإسرائيل، ليس في تحالف إقليمي أفريقي معيّن، وإنما في قارة إفريقيا بأكملها. ومع ذلك، في أيلول (سبتمبر) 2017، قرر منظمو الحدث تأجيله إلى أجل غير مسمى، بعد أن كان قد تأكد انعقاده في لومي؛ عاصمة توغو، في الفترة 23-27 تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه. وكان ذلك ما اعتبره القادة الإسرائيليون انتكاسة مؤقتة نتيجة للضغط المكثف الذي مارسته وراء الكواليس العديد من الدول الأفريقية والعربية، بما في ذلك جنوب إفريقيا والجزائر.
إعلان "انتصار" سابق لأوانه
في النهاية، كانت تلك مجرد انتكاسة مؤقتة. ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون والمحللون الإعلاميون قبول إسرائيل في الكتلة الأفريقية المكونة من 55 عضوا في تموز (يوليو) انتصارًا سياسيًا كبيرًا، خاصة وأن تل أبيب كانت تعمل جاهدة لتحقيق هذا المكانة منذ العام 2002. وفي ذلك الوقت، كانت هناك عقبات كثيرة تقف في الطريق، مثل الاعتراض القوي الذي أثارته ليبيا بقيادة معمر القذافي، وإصرار الجزائر على أن تظل إفريقيا ملتزمة بمثلها المعادية للصهيونية، وما إلى ذلك. ومع ذلك، تمت إزالة هذه العقبات أو تهميشها، الواحدة تلو الأخرى.
في بيان أصدره مؤخرا، احتفى وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، يائير لابيد، بعضوية إسرائيل في إفريقيا باعتبار أنها "جزء مهم من تعزيز نسيج العلاقات الخارجية لإسرائيل". ووفقًا للابيد، كان استبعاد إسرائيل من الاتحاد الأفريقي "حالة شاذة ظلت موجودة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن". وبطبيعة الحال، لا تتفق جميع البلدان الأفريقية مع منطق لابيد البسيط والمريح.
بحسب أنباء "تي. آر. تي" التركية، نقلاً عن وسائل إعلام جزائرية، فقد اعترضت 17 دولة أفريقية، بما فيها زيمبابوي والجزائر وليبيريا، على انضمام إسرائيل إلى الاتحاد. وفي بيان منفصل، أعربت جنوب إفريقيا عن غضبها من القرار، ووصفت "القرار الجائر وغير المبرر لمفوضية الاتحاد الأفريقي بمنح إسرائيل وضع مراقب في الاتحاد الأفريقي" بأنه "مروع". ومن جهته، قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إن بلاده "لن تقف مكتوفة اليدين أمام هذه الخطوة التي تتخذها إسرائيل والاتحاد الأفريقي من دون استشارة الدول الأعضاء".
على الرغم من شعور إسرائيل بهذه الروح الانتصارية، يبدو أن القتال من أجل إفريقيا ما يزال محتدما في معركة سياسية وأيديولوجية ومصالح اقتصادية، والتي من المرجح أن تستمر بلا هوادة لأعوام مقبلة. ومع ذلك، لكي تتاح للفلسطينيين وأنصارهم فرصة الفوز في هذه المعركة، يجب أن يفهموا طبيعة الاستراتيجية الإسرائيلية التي تصور إسرائيل من خلالها نفسها لدول أفريقية مختلفة على أنها المنقذ، وتعمل على منح الامتيازات والخدمات وإدخال تقنيات جديدة لمكافحة مشاكل حقيقية وملموسة في القارة. وبالنظر إلى كونها أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية مقارنة بالعديد من البلدان الأفريقية، فإن إسرائيل قادرة على تقديم تقنياتها "الأمنية" المتميزة، وتكنولوجيا المعلومات والري إلى الدول الأفريقية مقابل العلاقات الدبلوماسية والدعم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والاستثمارات المربحة.
وهكذا، فإن الانقسام الإفريقي حول فلسطين يعتمد جزئياً على حقيقة أن التضامن الأفريقي مع فلسطين كان يوضع، تاريخياً، ضمن الإطار السياسي الأكبر للتضامن الأفريقي العربي المتبادل. ومع ذلك، مع ضعف التضامن العربي الرسمي مع فلسطين الآن، فإن الفلسطينيين مجبرون على التفكير خارج هذا الصندوق التقليدي، علهم يتمكنون من بناء تضامن مباشر مع الدول الأفريقية كفلسطينيين، من دون دمج تطلعاتهم الوطنية بالضرورة مع الجسم السياسي العربي الأكبر، الذي يعاني الآن التفتت.
في حين أن مثل هذه المهمة تبدو شاقة، إلا أنها تظل واعدة أيضًا، حيث تتوفر للفلسطينيين الفرصة لبناء جسور الدعم والتضامن المتبادل مع إفريقيا من خلال الاتصالات المباشرة حين يعملون كسفراء لأنفسهم. ومن الواضح أن لدى فلسطين الكثير لتكسبه من أفريقياً، لكنّ لديها الكثير لتقدمه لها أيضاً. ويعد الأطباء والمهندسون، والعاملون في الدفاع المدني وفي الخطوط الأمامية، والتربويون والمفكرون والفنانون الفلسطينيون من بين بعض الناس الأكثر تأهيلاً وإنجازاً في مجالاتهم في الشرق الأوسط. صحيح أن لديهم الكثير ليتعلموه من أقرانهم الأفارقة، لكن لديهم الكثير ليعطوه أيضاً.
على عكس الصور النمطية السائدة، تعمل العديد من الجامعات والمنظمات والمراكز الثقافية الأفريقية كمراكز فكرية نابضة بالحياة. ويعد المفكرون والفلاسفة والكتاب والصحفيون والفنانون والرياضيون الأفارقة من أكثر الشخصيات بلاغة وتمكينًا وإنجازًا في العالم. ويجب على أي استراتيجية لحشد التأييد لفلسطين في إفريقيا أن تضع هذه الكنوز الأفريقية في الاعتبار كوسيلة للتواصل، ليس مع الأفراد فحسب، ولكن مع المجتمعات بأكملها.
تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية بكثافة وعلى نطاق واسع وبكل فخر عن انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي. ومع ذلك، قد تكون هذه الاحتفالات سابقة لأوانها أيضًا، لأن إفريقيا ليست مجموعة من القادة الباحثين عن الذات الذين يمنحون الآخرين مزايا سياسية مقابل عوائد ضئيلة. وسوف تشكل إفريقيا دائماً أيضًا القلب النابض لأقوى الاتجاهات المناهضة للاستعمار التي عرفها العالم على الإطلاق. ولا يمكن اختزال قارة بهذا الحجم والتعقيد والتاريخ الفخور والتقليل من شأنها لتكون كما لو أنها مجرد "جائزة" تفوز بها أو تخسرها إسرائيل وأصدقاؤها من المستعمرين الجدد.

اضافة اعلان

*Ramzy Baroud: هو صحفي ومحرر موقع "الحكاية الفلسطينية"، The Palestine Chronicle. وهو مؤلف لخمسة كتب، آخرها "هذه السلاسل سوف تُكسر: قصص فلسطينية عن النضال والتحدي في السجون الإسرائيلية" These Chains Will Be Broken: Palestinian Stories of Struggle and Defiance in Israeli Prisons الصادر عن "كلاريتي برِس". وهو زميل باحث أول غير مقيم في "مركز الإسلام والشؤون العالمية" (CIGA)، وكذلك في "مركز أفريقيا والشرق الأوسط" (AMEC).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Palestine’s Africa Dichotomy: Is Israel Really ‘Winning’ Africa?