الباولونيا..

د.لانا مامكغ زرع عشرات الدّونمات بالأشجار الباسقة والنّباتات في منطقة «سحاب» الصّحراوية خلال سّتينيات القرن الماضي، ولم تكن دوافعُ الرّاحل «محمّد كمال» مؤسّسِ التّلفزيون الأردني، بيئية بحتة حينذاك، بقدر ما كانت محاولة لحماية الأجهزة التلفزيونيّة المستوردة الدّقيقة من الغبار الكثيف في المنطقة .. وقد نجح في ذلك، وظلت حديقة التلفزيون الأردني الرائعة شاهدة على مبادرة رجل منتم، حكيم، بعيد النظر! وفي سياق آخر، أبدى أحد ضيوفنا العرب مؤخرا إعجابه بأشجار العاصمة على إحدى وسائل التّواصل الاجتماعي .. هنا، لابد من بعض البوح لك أيها العزيز؛ بعضُ ما تراه أشجار عتيقة زرعها الأجداد ذات زمان، من أمثال صاحب المبادرة السّابقة، وآخرين من عشاق الجمال .. وبقي الأمر على ما هو دون أن نأبه لزيادتها، خاصّة في المناطق الجرداء خارج المدينة، فلو تسنّى لك المرور في الطّريق الصّحراوي باتّجاه الجنوب، لغيّرتَ رأيك تماماً، لتجد نفسَك تعاتبنا على تقصيرنا في حقّ بلدنا الصّغير. ولعلّه اعتذار هامس لضيوفنا جميعِهم حين لا ندري بماذا نجيبُ عن أسئلتهم المحرجة؛ من مثل: كيف تركتم هذه الآلاف من الدّونمات الكالحة دون اهتمام، وأنتم الذين تشكون من الجفافِ والتّصحّر، وندرة المياه؟ التغير المُناخي بدأ يفرض نفسَه بسرعةٍ وشراسة، ومنطقتكم هذه ستكون الأكثر تأثراً .. حاذروا! كلامٌ مرعب، لكنَّ بعضَ الغيورين على المصلحة العامّة بدؤوا يلوّحون أمامنا بالأمل وببشائر الحل، لعلَّ على رأسِهم المخرج «هشام غيث» صّديقي الافتراضي على الفيسبوك الذي استبسلَ في استنبات شجرة ذات أصولٍ هندية اسمها «الباولونيا» تبدو لمن يقرأ عنها أنّها خُلقت لنا.. إذ هي الأسرع نموا في المناطق ذاتِ الغبار والدخان … فهي تنظف الهواء، وتمنع انجرافَ التّربة، فتسهمُ في نموّ الحشائش الطبيعية، سريعة النمو إذ يصل طولها إلى 3 أمتار في أربعة أشهر فقط .. زراعتها يعني وفرة في إنتاج الأخشاب ذات الجودة العالية، التي يُجمع الخبراء إنها مقاومة للحرائق كذلك .. كما أنَّ عمليّةَ تقليمها، قد توفرُ أطنانا من العلف، إذ ثبت أن الماشية تستسيغ طعم أوراقها، عدا عن أزهارها العطرية الجميلة الشبيهة بالياسمين واللافندر، ذات الألوان المتدرجة بين البنفسجي الحالم، والوردي الرهيف، والزهري الشفيف التي تجذب النحل … مما يعني إنتاجا غزيرا للعسل، كما أثبتت التجارب! ثمّة حملة من أصدقاء عديدين لزراعتها، والنتائج باهرة فعلا، إذ بدأنا نرى اخضراراً يمتد بسرعة وعنفوان هنا وهناك، فشكرا لزارعي الخصب، ومحاربي التصحر، والموت البطيء لأرواحنا المعلقة بالجمال والوطن والحياة … بقي التذكير أن الوقت الأفضل لزراعتها هو بداية الربيع، لذلك، فالكرة في مرمى وزارتي الزراعة والبيئة، وأحسب أنهما لن تقصرا في التقاط الفكرة لتحويلها إلى قرار سياسي قد تسهم فيه الجامعات، وبعض المتطوعين إن شئتم، فتنظم حملة تشجير واسعة من شمال المملكة إلى جنوبها في الموسم الشتوي المقبل … حلُم أدعو الله من كل قلبي لو يتحقق … عسى أن يشكل الأمر برمته هدية للأجيال القادمة بدل أن نترك لهم هذه الأرض وقد أمعنت في بؤسها، وفقرها، وقسوتها ! المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان