البحث عن أرضية مشتركة لعالم منقسم

تبدو المنطقة العربية كما لو أنها تعيش فترة ما بعد الكارثة، وتحاول الخروج من تحت الانقاض، فيما هي لا تفكر في أعداد الضحايا الذين طوتهم تلك الكارثة، بقدر أهمية استئنافها الحياة من جديد، مهما كانت نوعية تلك الحياة.اضافة اعلان
في الحقيقة، العالم العربي لم يتجاوز الكارثة بعد، فالحدث ما يزال متدحرجا، والكارثة ناهضة في جميع مناحي الحياة، والوضع مرشح لمزيد من الضحايا، ومزيد من الخسارات.
الصورة تبدو ملائمة لوصف حال المنطقة، غير أن ما ينقصها هو أن لا أحد يفكر فعلا في الخروج من الأزمة، بقدر التفكير في سلة خيارات قليلة ترسخ وضعية التعوّد، ليس أكثر، خصوصا أنه ما من أحد يريد البحث في فرضيات الآخرين، إذ تظهر الدول أنها ما تزال تحت ركام من الحروب، والأهم أن هناك تفكيرا استعدائيا لدى جميع الجهات تجاه الآخر؛ أي آخر، ولا تريد أي جهة أن تفكر فيما تفرضه عليها الحالة العامة بقدر تفكيرها في الضدية البادية في الآخر.
على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، ظل تعظيم الاختلاف سمة طاغية في المنطقة، بحيث تبدّى هذا الأمر بين الدول أولا، ثم في داخل الدولة الواحدة. وفي حين بحث كثيرون عن "نظرية مؤامرة" لكي يعلقوا عليها الإخفاق الكبير الذي نعيشه، فإنه ما من أحد، فعلا، وجه نقده للداخل في المنطقة، مستشرفا أوجه القصور التي فرضت علينا بيئة ثقافية متخلفة، جعلتنا متقوقعين في بوتقة صغيرة، نخشى مغادرتها، ونظن أن جميع العالم متواطؤ ضدنا، وأنه يعيش يومه في التفكير بالكيد لنا.
هذا التفكير الذي يحكم تعامل طبقات وقوى كثيرة في العالم العربي، يبدو مريحا جدا، فهو يسهم في بناء مزيد من التقوقع حولنا، كما أنه لا يحتم علينا عملا إضافيا من أجل تجاوز الواقع، بل يطلق فينا الركون إلى مزيد من الردة والإحيائية التي يصفها لنا البعض على أنها علاج للحال الذي نعيشه.
لذلك، يتبدى اليوم عالم كامل من تعظيم الاختلافات داخل المجتمع الواحد أولا، ثم بين الدولة الجارة أو الشقيقة، من أجل تشديد الحدود الإنسانية قبل الحدود الجغرافية السياسية. أما خطاب الكراهية فهو يعم مختلف نواحي الحياة، من دون أن يستطيع أحد ضبطه.
في وضع صعب كهذا، لا بد من السؤال عن نقطة البداية في البحث عن أرضية مشتركة للجميع، باسم الإنسانية وحب الحياة. وهل ما يزال هناك متسع لكي نعيد المنطقة إلى ركب الإنسانية بعدما شاهد العالم كله الفظائع التي ارتكبناها في غضون سنوات قليلة، مبررين إياها بالدين والطائفة والوطنية والقومية والأيدلوجيا!