البحث عن "المخرج"!

خلال الأيام القليلة الماضية، فقط، تلقيت عدداً كبيراً من الدعوات من وزارات ومؤسسات حكومية وجامعات، للمشاركة في أعمال لجان أو استشارات فيما يتعلّق بموضوع مكافحة التطرف. لم أشارك في أيّ منها، والسبب الرئيس هو قناعتي بأنّ الموضوع أقرب إلى فزعة أو موضة، وركوب للموجة من قبل هذه المؤسسات، طالما أنّنا لا نفكر بمنطق متكامل شمولي، وما نزال نخضع للعقلية الارتجالية العشوائية!اضافة اعلان
سبق وأن تحدّثنا عن الاستراتيجية التي أعدتها الحكومة لمواجهة التطرف، وما تزال ترفض تقديمها للرأي العام. إلاّ أن المؤشرات الرئيسة حولها لا تخلق لدينا أملاً حقيقياً بأنّ هناك رؤية وطنية فلسفية عميقة.
المطلوب، اليوم، هو أن تتشكّل لجنة عليا من أبرز علماء الاجتماع والنفس والسياسة والشريعة المعتبرين، وأن يعهد لهذه اللجنة بناء رؤية شاملة لموضوع التطرف؛ بدءاً من تعريف التطرف نفسه، وتحديد مدى خطورته الفعلية على أرض الواقع، وحجم التيار الذي أصبح يتبنى أفكار تنظيمات مثل "داعش" وغيره، ثم الأسس والقيم التي من المفترض أن تستند إليها الدولة لمواجهة هذا الفكر والتيار الذي يحمله، وليتم تالياً تبنّي هذه المقاربة بصورة رسمية وترجمتها على أرض الواقع.
للأسف، بالرغم من الحديث الدائم عن مكافحة التطرف والإرهاب، وتكريس الخطاب الدبلوماسي الأردني لهذا الموضوع، إلاّ أنّ هناك تخبطاً داخلياً رسمياً كبيراً، أبرز ما فيه الخلط بين نمو تنظيم" داعش" في المنطقة والتيار المؤيد له محلياً؛ فالمقاربتان مختلفتان. في الداخل، المطلوب جهود أمنية وثقافية وإصلاحية متكاملة، توازن بين جانبين مهمين؛ الأول وقائي والثاني علاجي، في محاولة حماية جيل الشباب الجديد من الانزلاق إلى تبني خطاب هذه الجماعات أو الانجرار وراءها، بخاصة وأنّنا نتحدث عن قرابة 2000 شاب أردني يقاتلون في الخارج مع هذه الجماعات، و300 يحاكمون على خلفية الترويج لها. وهناك العشرات في محكمة أمن الدولة على قضايا مرتبطة بهذا التيار، فضلاً عن المسجونين.
تضاعف حجم التيار "السلفي الجهادي" خلال الأعوام القليلة الماضية، وأصبح قادراً على استقطاب أعداد من الشباب من خلفيات مختلفة عن "الصورة النمطية". وعندما ننظر حتى إلى دول في الغرب، نجد أنها باتت تعاني من ازدياد قدرة هذا التيار على التجنيد والتعبئة عبر الإنترنت. والعوامل التي تساعده على ذلك مركبة ومتعددة. ومن أبرز هذه العوامل والشروط نسبياً، العامل السياسي-الاجتماعي؛ فهؤلاء الشباب يبحثون عن هويتهم ودورهم، وعن "مخرج" من الأزمات المتراكمة، سواء كانت سياسية واجتماعية وثقافية، أو حتى اقتصادية. ويتزاوج مع هذا العامل الجانب الإيديولوجي-الثقافي؛ فهناك ضعف شديد في الخطاب البديل الذي يملأ الفراغ، ويمتلك المصداقية والشرعية وقوة الإقناع.
لا بد من توفير "مخارج" لهؤلاء الشباب الذين ينزلقون إلى الانضمام لهذه الجماعات، لإقناعهم بالعودة، وتوفير برنامج تأهيل مدروس لهم بدلاً من السجن. وهو ما ينطبق على من يحاكمون لتأييد هذه الأفكار. فالسجن ليس وحده العلاج والحل، بل على النقيض من ذلك؛ إذ طالما شكّل السجن حاضنة لنمو التيار والتجنيد. فهناك كثير من الشباب الذين يحاكمون على خلفية الترويج لداعش أو تبني أفكاره عبر شبكة الإنترنت، ما يزالون في البداية، لكن محاكمتهم ووضعهم في السجن ضمن "مهاجع" هذا التيار سيجعلهم أعضاء ناشطين.
كثير من هؤلاء الشباب أصيبوا بهذا الفكر، وولجوا هذه الجماعات والتيارات، وهم يبحثون عن "مخرج" من الواقع والأزمات المركّبة. وعلينا نحن، اليوم، توفير "مخارج" لتمكينهم من إعادة التفكير في خياراتهم ومسارهم، وإعطائهم فرصة جديدة بدلاً من الحكم عليهم بالتطرف المؤبد!